في الوقت الذي يحيي فيه الاحتلال الذكرى السنوية السابعة عشرة لحرب لبنان الثانية، فما زال التقدير الإسرائيلي على حاله، ومفاده أن الجيش خاض "اللعبة" وفق قواعد حزب الله، وانزلق في معركة، كان للحزب تفوق نسبي فيها، ولم يكن بمقدور الجيش أن يحقق النصر منذ البداية.
وقد اعتادت دولة الاحتلال، كجزء من أعرافها الدستورية والقانونية، على تشكيل لجان تحقيق وفحص لإخفاقاتها التي رافقت عملياتها العسكرية وحروبها النظامية، شكلت لجنة فينوغراد سنة 2007؛ للتحقيق في إخفاقات الجيش في حرب لبنان الثانية.
سبق هذه اللجنة العديد من اللجان الرسمية لحروب سابقة، من أهمها: لجنة أغرانات 1973 لفحص جاهزية الجيش قبل اندلاع حرب أكتوبر، ولجنة كاهان 1982 عقب مذابح صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان، ولجنة لانداو 1986 لفحص أساليب التحقيق في جهاز الشاباك، ولجنة شمغار 1995 بعد اغتيال "رابين"، ولجنة أور 2000 للتحقيق في أداء الشرطة ضد فلسطينيي الـ48.
اقرأ أيضًا: هذه الملفات تزيد من خلافات الإسرائيليين الداخلية
اقرأ أيضًا: التشاؤم يطغى على مستقبل العلاقات الإسرائيلية الأمريكية
لقد مرت هذه السنوات الطويلة، وما زالت دولة الاحتلال، بمختلف مؤسساتها الرسمية: السياسية والأمنية والعسكرية، تعيش تبعات تلك الإخفاقات التي عانتها خلال يوليو 2006، وحتى اللحظة تشهد وسائلها الإعلامية ومراكزها البحثية عشرات، بل مئات، من المقالات والتحليلات والدراسات لقائمة طويلة من الشخصيات الرسمية، والجنرالات الحاليين والمتقاعدين، والساسة والوزراء حاليين والسابقين، التي كشفت عن حقائق مؤلمة إسرائيليًّا، وصلت خلاصتها إلى أن حرب لبنان الثانية هي "فيتنام إسرائيل".
لم يعد سرًّا أن تلك الحرب شهدت محاولة الحزب إخضاع جيش الاحتلال الذي استخدم قصفا مدفعيًّا وجويًّا، دون مناورات مكثفة، بينما انكسرت الرغبة الإسرائيلية باستمرار القتال في ظلّ عدد القتلى والمصابين، والخلاصة أن الأنباء "السيئة" في نظر الإسرائيليين "أننا فشلنا"، وبالتالي انتهت الحرب بدون نصر، ودون أن تتمكن الحكومة حتى من مجرد الادعاء به، وفي النهاية فقد تهاوى الردع الإسرائيلي، وطرح علامات سؤال حول وجود الدولة برمّتها، ومدى دورها في خارطة المنطقة الجديدة.
ربما لا تتسع السطور الحالية لاستعراض عشرات التصريحات الإسرائيلية التي أطلقها وردّدها وكتبها قادة وكتّاب إسرائيليون، التي "رشّت الملح على الجرح الإسرائيلي"، لوصفها الحرب بأنها مسألة حياة أو موت، وأن نهايتها بصورتها آنذاك يعني هزيمة مدوية للدولة، بسبب التفاصيل العسكرية: الميدانية والإجرائية.
الخلاصة الإسرائيلية التي تتضح بعد كل هذه الأعوام الطويلة على تلك الحرب، أنها وقفت بعدها عاجزة حائرة مرتبكة تخشى الحرب الثالثة، بسبب ما يمكن أن تتكبده من خسائر إذا أرادت تصفية حساباتها مع الحزب في الشمال، لأنها لن تكون دون حرب برية، وهي مكلفة جدًّا، ونتائج الحرب بعد مرور كل هذه الأعوام الطويلة تبدو واضحة أكثر، فالاحتلال لم يربح، والحزب لم يخسر!