دخل العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين يومه الثالث دون تحقيق أهدافه المعلنة بـ"تطهيره" من المقاومين والأسلحة، وسط تخوف لا يخفيه ثلاثي الحرب "نتنياهو، وغالانت، وهاليفي" على استمرارها حتى النهاية، وإلا فإن ما قد يعدونه عملية تكتيكيّة قد تتحول لخسارة إستراتيجية، ولا يزالون يفضلون إنهاءً سريعًا قدر الإمكان لهذه الجولة، قبل التورط في العملية البرية.
في الوقت ذاته، لم يكن سرًّا أن هذا الثلاثي بدأوا وفق الصور المسربة "منطفئين، متعبين، عديمي الحيوية، وفارغين، وكأنهم باتوا يفهمون قيود القوة، يخافون ويعرقون"، ولعلهم محقّون هذه المرة، فالأمر ليس بسيطًا، لأنّهم يعرفون أنّ التعمق في اجتياح المخيم قد يكون فتاكًا، وسيجبي دمًا كثيرًا.
بعد يومين من بدء العدوان على جنين ظهر واضحًا أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية غلب عليها طابع المغالاة، لأن المحافل الأمنية والعسكرية دأبت على التوصية بتجنب التوغل البري، وفضّل المستوى السياسي البحث عن أي خيار بديل له.
اقرأ أيضًا: جنين.. صراع إستراتيجيات
اقرأ أيضًا: جنين زرع الأجداد وفعل الأحفاد
وإذا اتخذ الاحتلال قرارًا بشن هجوم بري محدود فسيكون لاعتبارين أساسيين، أولهما الرغبة بتقديم إنجاز للجمهور، وعدم ظهور القيادة خائفة من إدخال قوات برية في عمق المخيم، وثانيهما معالجة مكامن الخطر المتمثلة بالعبوات والأنفاق، لأن تهديداتها تقلق الجيش، وإذا لم تعالج بشكل جذري فقد تكون السبب لتدهور العدوان الحالي لما هو أشد وأقسى.
وفيما تعلن المقاومة أنها أعدت نفسها لمعركة طويلة، ربما لأسبوع أو عشرة أيام، فإن جيش الاحتلال لم يقرر موعد نهاية العدوان، أو شروطها، بزعم أن هناك المزيد من المفاجآت في المعركة، مع أن الاجتياح البري يمثل السيناريو الأكثر قسوة للجيش، لأنها ستحصد خسائر كبيرة منه، مع تخوفه من وصول المقاومين لمستوى من الاحتراف القتالي يجعلهم لا يذهبون مباشرة لمواجهة الجنود، كما في الماضي، بل إجراء قراءة سليمة لاتجاه عملياته الميدانية.
تتزايد المخاوف الإسرائيلية من تزايد نقاط القوة للمقاومة في عمق المخيم، وأهمها أن قرار الجيش بإمكانية الانتقال للعملية البرية قد يحوّل جنوده "من صيادين إلى مصطادين"، بالتخطيط المميز والإعداد والرصد المسبق، وتحديد نقاط الضعف في صفوف الاحتلال، واستغلال عنصر المفاجأة الذي يربك جنوده، ويجعلهم يسقطون برصاص المهاجمين في معارك يثبت فيها المقاومون أن لديهم قدرات عسكرية مفاجئة.
بين مؤيد ومعارض لخيار العملية البرية في عمق مخيم جنين، فإن الخلاصة الاسرائيلية تكمن في أن الجيش يتردد بإلقاء جنوده في مخيم جنين "عش الدبابير"، مما جعله يتريث قبيل الذهاب لهذه الخطوة "الانتحارية"، غير المفضلة له، لأنها ستحصد الكثير من أرواح جنوده، مما دفعه لخيار تهجير أهالي المخيم، ربما، أقول ربما، لاتباعه سياسة الأرض المحروقة.