فلسطين أون لاين

ما من صيغة سياسية صهيونية يمكن أن تفيد الفلسطينيين

الانزياح المستمر في (إسرائيل) باتجاه اليمين وأقصى اليمين الاستيطاني، وتطبيع التطرف، وتحول الشعبوية إلى ميزة أساسية وتنافسية في الحقل السياسي؛ أنتج ما نراه من تصعيد مستمر من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، بتشجيع من وزراء متطرفين في حكومة أقصى اليمين. بعد أن قام نتنياهو باستدماج الصهيونية الدينية في حكومته، من ذلك وزير الأمن بن غفير سليل الكهانية، الذي يشكل مثالًا نموذجيًّا لعملية تطبيع الفاشية والتطرف في (إسرائيل).. ليس مستغربًا أن يمثل الفاشيان العنصريان المستوطنان المنتميان للأحزاب الدينية الأصولية اليهودية بن غفير وسموتريتش قوة مقررة في الحكومة الإسرائيلية، تدفع بشكل متواصل نحو التصعيد الشامل، وتتجه ومعهما نتنياهو نحو مغامرات غير محسوبة العواقب، لم يحدث هذا الانزياح الخطير نحو التطرف منذ تأسيس «الدولة الوظيفية» على الأراضي الفلسطينية.

الفلسطينيون يدركون جيدا أنّ (إسرائيل) عبر سياساتها العنصرية، وانتهاكاتها المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني ومقدساته الدينية، تحاول أن تجر المنطقة إلى «صراع ديني». والتصعيد الإسرائيلي المتكرر في القدس هو ترجمة حقيقية لاعتراف أمريكا غير القانوني بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، ونقل سفارتها إليها، ودعمها المطلق لحكومة نتنياهو المتطرفة، ولكن المقاومة الفلسطينية رغم كل ذلك حطمت الكثير من الأشكال الوظيفية العنفية للجيش «الذي لا يقهر». وهي تواجه ببسالة أعمال العنف والإجرام والتهويد حفاظا على الوجود الفلسطيني.

أعمال العنف التي شنها المستوطنون وهجماتهم المتكررة على الفلسطينيين وصفها بعض القادة الأمنيين من داخل (إسرائيل) بأنها «إرهاب قومي» يستدعي تكثيف إجراءات المواجهة. هذا البيان غير المألوف لا يعدو كونه مجرد إدانة شكلية خجولة للتخفيف من حالة الانفلات والضغط، خاصة أن رئيس حكومة الاحتلال يبدو عاجزا عن لجم ألسنة وزراء حكومته، مثل وزير المالية تسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، اللذين يشجعان المستوطنين على فعل المزيد من أعمال الإجرام والتطرف، ومهاجمة الفلسطينيين بكل الوسائل.

في المجمل، العمليات العسكرية التي تترافق مع استفزازات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة هي محاولة إسرائيلية يائسة للتأثير في تنامي المقاومة الفلسطينية.

ومختلف أشكال المقاومة تُظهر أن الشعب الفلسطيني أخذ زمام المبادرة بنفسه. ومنذ عملية حوارة وصولا إلى جنين ونابلس وغيرها، جميعها تؤكد سرعة رد المقاومة على جرائم الاحتلال في القدس، وبقية الضفة المحتلة مهما شدد الاحتلال من إجراءاته القمعية. والرد المماثل على كل جريمة يرتكبها الاحتلال، هي معادلة جديدة يثبّتها الفلسطينيون بمقاومتهم الباسلة.

ولم تعد أشكال المقاومة مختصرة على غزة، ففي الضفة أيضا، أصبحت المقاومة تقض مضاجع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبتأكيد مراقبين إسرائيليين، تشكل المقاومة الفلسطينية عاملًا ضاغطًا على الدول العربية المطبّعة مع (تل أبيب)، كي «تتأنى في كل ما يتعلق بدفع مشاريع التعاون المرتبطة بهذا التطبيع".

وبطبيعة الحال، فإن تداعيات المقاومة تُفاقم الأزمة الداخلية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية، في ضوء مساعيها لإجراء تغيير في نسيج العلاقة القائمة بين سلطات الحكم في دولة الاحتلال. في الأثناء، كل الاعتقالات والمداهمات والإعدامات الميدانية، لم تمنح الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للاحتلال نتائج إيجابية بخصوص وقف تنامي هذه المقاومة، مع أنّ لدى نتنياهو مصالح في تصدير أزماته عبر التصعيد العسكري، (إسرائيل) في تقدير الخبير في شؤون القدس جمال عمرو، "لا تعد نفسها احتلالا بل إحلالا"، يعني السيطرة على الأرض والسكان والمقدرات، لهذا تقتلع الوجود الفلسطيني من كل أنحاء فلسطين، وتبقيهم في المهجر، وتحافظ على نسبة ضئيلة داخل القدس وفلسطين. (إسرائيل) تريد «دولة يهودية قومية» بوجود أقلية عربية لا وزن لها. وهي تركز على القدس بالذات بمشاريع تهويدية، لأنّ الفلسطينيين فيها يشكّلون 40% من التعداد البشري، لذلك يحارب الاحتلال هذا العدد والكثافة السكانية والبعد الديمغرافي عبر مزيد من تهويد شرق المدينة، والصمت الدولي أمام هذه الانتهاكات التي تجرمها القوانين الدولية يشجع (إسرائيل) على التوغل أكثر في الأراضي المحتلة، وهي متعودة على الإفلات من العقاب، بما يجعلها تتمادى في طرد المقدسيين وهدم بيوت الفلسطينيين وتشريدهم من قراهم، يكفي أن تمنح حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش وزير المالية وزعيم حزب الصهيونية المتطرف صلاحيات التصديق على قرارات البناء الاستيطاني، دون الحاجة إلى موافقة وزير الجيش وفقا للإجراءات المعمول بها سابقا. آلاف الوحدات الاستيطانية من شأنها أن تؤدي إلى عزل مدينة القدس المحتلة من جانبها الشرقي، وتقسيم الضفة الغربية إلى جزأين منفصلَين، ومنع التواصل بين جنوب الضفة وشمالها، رغم ما تبديه الإدارة الأمريكية من معارضة للمشروع الاستيطاني باعتباره مخططا يقضي على ما يسمى "حلّ الدولتين"، ويعزل القدس عن الامتدادات الفلسطينية الأخرى، ويقطع أجزاء الضفة بعضها عن بعض، لكن حكومة نتنياهو تمضي في تطبيق هذا المخطط، وتعمل على تسريع وتيرة الاستيطان مدفوعة بأجندة يمينية متطرفة همّها الوحيد تجريد الفلسطينيين من كل أراضيهم وتصفية وجودهم التاريخي بشكل تام. في الأخير الخطوة التي قامت بها الإدارة الأمريكية هي وقف دعم مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية.

العنف هو القاسم المشترك بين جميع القادة الصهاينة، منذ تثبيت هذا الكيان على الأراضي الفلسطينية، وجميعهم منذ هرتزل، اتخذوا العنف أساسا لترسيخ أقدامهم في أرض ليست لهم، ولارتكاب مجازر دير ياسين وكفر قاسم وقبية واللّد والرملة وسواها من المجازر اللاحقة، في صبرا وشاتيلا وقانا وجنين، وصولا إلى عنف الحكومة المتطرفة الحالية، وما يوازيها من عنف وإجرام المستوطنين، رغم أنّ اتفاقية جنيف تنص على أنه لا يجوز لدولة الاحتلال ان ترحّل أو تنقل جزءا من "سكانها المدنيين" الى الأراضي التي تحتلّها، كما تحظر على الاحتلال تدمير أي ممتلكات خاصة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية. الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال فريد من نوعه، لا مثيل له في رأي عالم النفس الإسرائيلي يهوكيم شتاين، فالمحتل الإسرائيلي هو المحتل الوحيد الذي يعتبر نفسه كمن يقع تحت الاحتلال. عاطفيا، لا يستطيع أن يعترف أنه محتل، ولا يستطيع أن يقرر إنهاء احتلاله، إن الحكم الإسرائيلي يبحث عن قادة محتملين للتفاهم معهم، بينما يطارد كلّ شبح فلسطيني يلوح في مهب الريح، وكلّ منشور يتدحرج في الشوارع، وكلّ كتابة مرسومة على الجدار. اليهودي المحتل يحتاج إلى ممارسة العنف ليتحرر من نفسه ومن ذاته الطفيلية الهامشية.." أسلوبنا الاحتلالي هو وليد أساطير قومية.

ولهذا السبب فإن موقفنا نافذ ضدّ كلّ حجة عقلانية كانت ستحمل أيّ محتل آخر على اتخاذ قرار بالانسحاب، إن الاحتلال هو ضمانة ضد تصفيتنا. هذه هي الدلالة العميقة للتعبير عن محتل وواقع تحت الاحتلال. فكلما تمادينا في كوننا محتلين، أصبحنا أسرى الاحتلال نفسه، الأمر الذي يجبرنا على أن نتمادى في كوننا محتلين». كلام شتاين هذا يلخص الذات الصهيونية في عمقها السيكولوجي. قامت الحكومات الإسرائيلية بغضّ النظر عن مشاربها وأشكالها بتوسيع المستوطنات، أنكرت الحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين، عاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية خاصة فلسطينيي الداخل، واستخدمت القوة العسكرية المتفوّقة لقتل وترهيب السكّان مع إفلات دائم من العقاب، أو حتى الضغط السياسي.

في المحصلة، تشير كل الدلائل إلى أن هناك سعيا للتخلص من الفلسطينيين من خلال مصادرة أراضيهم بشكل متواصل في الضفة وغيرها، أو من خلال عزلهم وحصارهم مثلما يحدث في قطاع غزة. عربدة صهيونية بلا حدود تحدث أمام أنظار العالم والإنسانية الصامتة.. إلى متى ستستمر معاناة الشعب الفلسطيني؟

 

المصدر / القدس العربي