تواصل عمليات المقاومة ترك تأثيراتها السلبية على الواقع الإسرائيلي، وتزيد في المقابل من دعوات تنفيذ عملية كبيرة واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، في ضوء زيادة الهجمات الفدائية، في محاولة لتقويض عمل جيش الاحتلال في جنين ونابلس، بزعم أن هذا الواقع الميداني المتغير قد يتطلب من الجيش التصرف بطرق أكثر تعقيدًا.
يتزايد هذا الواقع الإسرائيلي تعقيدًا بعد مرور ستة أشهر دموية على الاحتلال، شهدت مقتل 27 جنديًّا ومستوطنًا منذ بداية 2023، أمام مقتل 33 آخرين في عام 2022 بأكمله، ما يشير إلى أنه ما زال بانتظار ستة أشهر كاملة، يبدو أنها حبلى بالمزيد من العمليات والهجمات الفدائية.
ما من شك أن الواقع الميداني في شمال الضفة الغربية يتغير أمام أعين الإسرائيليين، بعد أن اقتصرت محاولات التصدي لاقتحام مخيماتها على إطلاق النار واشتباكات المسلحين، لكن دخول العبوات الناسفة الكبيرة على خط التعامل مع هذه الاقتحامات، يعني أن السلوك العدواني للجيش بات يواجه معادلة تجعله يفكر مرتين قبل الدخول لهذه المناطق من جهة، ومن جهة أخرى يبحث مدى جدوى هذه الاقتحامات من الأساس.
مع مرور الوقت، تتكشف المزيد من خلافات المستويين السياسي والأمني داخل الاحتلال حول نطاق وجدوى أي عملية عسكرية ضد الضفة، لعدم وجود قناعة بأنها ستوقف المقاومة المتصاعدة، وبالتالي الاكتفاء بنشر مزيد من القوات خاصة على الطرق الاستيطانية، مع التركيز على المناطق الحساسة والمفترقات ونقاط التجمهر.
لا تخفي قوات الاحتلال أن ما شهدته جنين ونابلس من عمليتين متتاليتين يترك تأثيراته السلبية عليها، بزعم أن دورها في هذه المرحلة يتركز بالاستمرار في العمل على مواجهة الإنذارات المزعومة عن قرب وقع هجمات مقاومة، ما قد يستدعي منها تنفيذ اقتحامات ميدانية متواصلة ومتلاحقة للمناطق الفلسطينية، دون أن تحقق في النهاية مبتغاها، لأنه بعد تنفيذ كل اقتحام بيومين أو ثلاثة تخرج عملية مقاومة جديدة، وهكذا دواليك.
في الوقت ذاته، فإن جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية تتزايد لديهما القناعات بأن المقاومة تواصل التخطيط لتنفيذ مزيد من الهجمات، بالتغلب على إجراءات الجيش التي باتت تواجه واقعًا جديدًا يتطلب منه التصرف بطريقة مختلفة عما ساد في شهور وأسابيع سابقة، ما قد يسفر عنه المزيد من الخسائر البشرية في صفوف جنوده.
مع العلم أنه عقب تنفيذ عملية مستوطنة "عيلي" جنوب نابلس، فقد كشف الاحتلال عن تلقيه 180 إنذارًا بوقوع عمليات فدائية في ذات يوم تنفيذها، وهو رقم لم يشهده منذ الانتفاضة الثانية، ما يؤكد أننا أمام تصاعد لافت في تحضيرات المقاومة لمرحلة قادمة، قد يكون لها تبعات ميدانية وسياسية على المشهد الفلسطيني الداخلي، بعد جبايتها أثمانًا باهظة من الاحتلال.