"صدمة قاسية".. هكذا وصف ضباط كبار بجيش الاحتلال ما حدث في مخيم جنين من كمين العبوات المحكم الذي نصبه المقاومون، لأنهم لم يشهدوا له مثيلًا منذ سنوات، ويشبه معضلة العبوات الجانبية التي مثَّلت تحديًا في جنوب لبنان وغزة قبيل الانسحاب منهما، بوصفه تغييرًا لـ"قواعد اللعبة".
كثيرة هي الأسئلة التي طرحها الاحتلال، وما تزال دون إجابة، عقب تفجير عبوة وزنها 40 كغم اخترقت تحصينات الآلية المتطورة المحصنة ضد العبوات وإطلاق النار، مما يكشف عن إخفاق وفشل أمني بعدم توفر المعلومات عن وجود عبوات بهذا الحجم، ويبقى السؤال: هل هي محلية الصنع، أم هُربت بطرق التفافية، وهل وضعت لحظة الاقتحام، أم قبله بوقت كافٍ؟
مثَّل الكمين المحكم في جنين تحولًا خطيرًا من وجهة نظر الاحتلال، وقد ينبئ بأن القادم في الضفة الغربية سيكون أسوأ وأخطر وأشد تعقيدًا، ولم يخفِ تخوّفه بأنه يحمل إشارات سلبية بأن الجيش لم يفقد السيطرة على جنين فحسب، بل فقد الثقة بقدرته على دخولها، والخروج منها، كما كان الحال في السنوات الماضية.
بالرغم من أن أسلوب العبوات الناسفة قد يندرج تحت بند إطلاق النار والاشتباكات المسلحة، بحكم أن العديد منها تشهد في طياتها تفجيرًا لعبوات ناسفة، لكن هذه السطور تفردها بتقييم مستقل، لكون العديد من العمليات شهدت تفجيرًا لعبوات استهدفت تدمير عدد من الدبابات في مراحل زمنية متفاوتة من المواجهات المسلحة.
ولأن هذا الأسلوب لا غنى عنه في سياق أي مقاومة فاعلة تستهدف تحقيق أثر واضح في صفوف الاحتلال، لأن مفاعيلها القوية تجعل منها لازمة أساسية من لوازم المقاومة لا تستطيع تجاوزها، فقد برعت المقاومة في سنوات انتفاضة الأقصى باستخدام العبوات الناسفة لتنفيذ عملياتها العسكرية، وحققت إنجازات مهمة في سياق المواجهة مع المحتل، أدت إلى إلحاق أفدح الخسائر في صفوفه.
وما بين عبوة ناسفة استخدمت في سياق اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال، وأخرى تفجرت في هدف، أو موكب عسكري أو استيطاني، وثالثة موجهة استهدفت دبابة أو آلية عسكرية، تنوعت أشكال استخدام العبوات الناسفة التي أبدعت عقول المقاومين في تصنيعها وإعدادها، حتى غدت كابوسًا خطيرًا يؤرق المحتلين.
لقد أدخلت قوى المقاومة عمليات تطويرية على تصنيع العبوات شديدة الانفجار، باستخدام مواد جديدة في تركيبها، إضافة إلى ابتكار وتصنيع أنواع جديدة، مكّنتها من تدمير الآليات والجيبات المحصنة، وصولًا لإسقاط حصن آخر من حصون الجيش الإسرائيلي التي يعتقد أنها تحميه من ضربات المقاومين، لكن كمين جنين صدم الاحتلال وجيشه، بالإشارة إلى أن حماية مركباته وجنوده في شوارع الضفة الغربية مسألة فيها نظر.