لم يغيّر وزير المالية الإسرائيلي، والمسؤول عن الاستيطان جلده، وقبل أن يفوز حزبه "الصهيونية الدينية" في الانتخابات الأخيرة، كان قد أعلن عن عقيدته، التي تقول: إن أرض الضفة الغربية أرض يهودا، ولا حق فيها للفلسطينيين إلا العيش كعبيد، أو الرحيل، وهذا موقف تم الإعلان عنه بصراحة ووضوح، وكتب وزير المالية سموتريتش أكثر من مقال، يؤكد على حقيقة الأطماع الصهيونية بكل أرض الضفة الغربية.
ولم يغير وزير المالية الإسرائيلي جلده، وهو يسكن في مستوطنات الضفة الغربية، حين انتزع من رئيس الوزراء نتنياهو منصب وزير الاستيطان إضافة إلى وزارة المالية، وقد جرت مراسم تقاسم الصلاحيات في المسؤولية عن الضفة الغربية مع وزير الحرب يوآف جالانت على رؤوس الأشهاد، وقد انتقلت الصلاحية والمسؤولية عن المستوطنات من وزارة الجيش إلى وزارة سموتريتش، وفي ذلك دلالة على تحرر المستوطنين من مرجعية الجيش، والتحاقهم قانونيًّا بالنظام السياسي الإسرائيلي باعتبارهم مواطنين إسرائيليين، واعتبار المستوطنات أرضًا إسرائيلية، وقد أعلن سموتريتش أن جهده سينصب على إضافة نصف مليون مستوطن يهودي إلى 850 ألف مستوطن يحتلون أرض الضفة الغربية والقدس .
ضمن هذا المنطق السياسي الإسرائيلي، جاء تصديق الحكومة الإسرائيلية بمنح صلاحيات المصادقة على أي مشاريع ومخططات استيطانية في الضفة الغربية إلى الوزير سموتريتش منسجمًا مع اتفاق مسبق تم بين حزب "الليكود" الحاكم وحزب "الصهيونية الدينية" بزعامة سموتريتش، يقضي بمنح الأخير صلاحية تسريع عمليات بناء المستوطنات، وصلاحية التصديق الأولية على أي مخططات استيطانية.
تلك المقدمات الإسرائيلية العدوانية جاءت منسجمة مع التوجه العام للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتطرح السؤال التالي على قيادة منظمة التحرير، وعلى قيادة التنظيمات الفلسطينية، وعلى فعاليات وكفاءات الشعب الفلسطيني: أين كنتم طوال تلك الفترة التي استعدت فيها الحكومة الإسرائيلية لتوسيع صلاحيات وزير الاستيطان؟ وما الخطوات الوقائية التي تم اتخاذها لإحباط مثل هكذا قرارات؟
ونكتبها بكل أسف، وحتى يومنا هذا، اقتصرت ردة فعل القيادة الفلسطينية، والتنظيمات الفلسطينية، على الإدانة والشجب والاستنكار، بما في ذلك ردة فعل الأنظمة العربية كلها، وقد استجار بعض الفلسطينيين بأمريكا، وناشدها التدخل لوقف التوسع الاستيطاني، دون التحرك الميداني على مستوى الساحة الفلسطينية، ودون التحرك على مستوى الأمة العربية والإسلامية للقيام بأي خطوات جدية، تعرقل البناء في المستوطنات، وتحبط المخططات الإسرائيلية.
القيادة الإسرائيلية تدرك تلك الحقائق المؤلمة، وقرأت مسبقًا ردة فعل القيادة الفلسطينية والدول العربية، وبالتالي لم تُقدم على خطوة توسيع الاستيطان إلا بعد دراسة واسعة، وتقدير جيد لردة فعل الإدارة الأمريكية التي عبرت عن انزعاجها من سرعة التوسع الاستيطاني، وهذا الانزعاج الأمريكي لن يقلق إسرائيل كثيرًا، ولن يؤثر سلبيًّا على مخططات الاستيطان.
نجاح العدو الإسرائيلي في تسريع الاستيطان، دون موقف ميداني فلسطيني موجع للاحتلال، بمثابة تشجيع للعدو لتنفيذ مخططاته ضد القدس، بما في ذلك التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، واجتياح مدن الضفة الغربية، ولا سيما بعد أن أمسى التطرف الصهيوني مجال تنافس بين الوزراء والأحزاب الإسرائيلية.
هذه الصورة القاتمة التي تسيطر على الحالة الفلسطينية، لن يطهرها من الغبش إلا الأفعال البطولية التي تمارسها مدينة جنين ومخيمها، حيث يؤكد الشعب الفلسطيني أنه يمتلك القوة، حين يكون في منأى عن السلطة الفلسطينية، وأنه قادرة على إفشال مخططات العدو إذا تحرر من سلطان الأجهزة الأمنية، وهذا أهم درس أدركه الشعب الفلسطيني من خلال التجربة الميدانية، والمواجهات اليومية، وهذا ما يستوجب الدعم والمساندة.