على مدخل البلدة القديمة في الخليل، ثمة متجر يتميز بأقواسه المبنية بحجر قديم يفوق عمره 100 عام، نفضت عنه عبير العسيلي غبار 15 عامًا من الهجر، وحولته إلى مكتبة ثقافية يمكنك أن تشتري كتابًا منها أو وتقضي وقتًا ممتعًا لقراءته داخلها أيضًا.
يعود المكان لوالد زوجها، الذي كان محلًا للجزارة واضطر إلى إغلاقه؛ بسبب حواجز الاحتلال الإسرائيلي، والمعيقات التي تفرض على التجار، وأهالي البلدة القديمة منذ 15 عامًا، ما اضطره إلى فتح محل الجزارة في مكان آخر من المدينة.
انتهزت الشابة الحاصلة على بكالوريوس في علوم الحاسوب الفرصة على الفور لتحقق حلم طفولتها، بأن يكون لها مكتبة خاصة بطابع غير تقليدي، ويغلب عليها التصميم الأثري.
عمارة العقل
تقول العسيلي لـ"فلسطين": "كأي إنسان موجود على هذه الأرض أحب التعمير فيها، فأعظم تعمير عمارة العقل بحثِّ الناس على القراءة، وامتلاك الثقافة والمعرفة التي تساعد على تغيير أنماط التفكير، وتحفز العقل على الابتكار".
وتتابع: "كان بمقدوري فتح المكتبة في أي مكان في مدينة الخليل، ولكني أصريت على فتحها في البلد القديمة؛ حتى لا يبقى المحل مغلقًا، ولجعل المكتبة مدخلًا وعنصرًا جاذبًا لأهالي المدينة، والزوار لزيارتها باستمرار".
وتردف العسيلي: "لدي ولع وشغف كبيران في قراءة الكتب، ومتعة كبيرة في ملامسة أوراقها، وأرفض قراءتها إلكترونيًّا كما يفعل البعض في الوقت الحالي، لذا أتمنى من الجميع زيارة المكتبة والإحساس بمتعة القراءة من الكتب الورقية".
وتضم المكتبة العديد من الكتب المتنوعة في تخصصاتها ما بين: الاقتصاد، ودواوين الشعر، والقانون، وأخرى باللغة الإنجليزية، وبعضها يتناول التنمية الذاتية، والصحة النفسية، وكثير من الكتب التي تلقى رواجًا كبيرًا في المرحلة الحالية.
وتبين العسيلي أنها اشترت بعض الكتب من فلسطين، ومصر، بالإضافة إلى تزويدها ببعض الكتب من وزارة الثقافة، لافتة إلى أنها تعمل حاليًّا على توفير الكتب القديمة التي صدرت في عشرينيات القرن الماضي.
ويواجه تجار البلدة القديمة العديد من المعيقات الحياتية، وتعد الحواجز الإسرائيلية أكثرها حضورًا في مسار يومهم، إذ تمنع وصول وسائل المواصلات إلى مكان قريب يمكن الناس من الوصول إليها، إلى جانب اعتداءات المستوطنين الجاثمين في قلب المدينة.
هل فكرت العسيلي بتلك المخاوف؟ تجيب: "لا مكان آمن في فلسطين، ولم أجعل تلك المخاوف تسيطر علي، أعي تمامًا طبيعة المكان الحساس الذي أتواجد فيه، ولكني أركز على تحقيق هدفي وهو إيجاد تنوع في البلدة القديمة، وعدم الاقتصار على محلات الطعام والمطرزات فقط، حتى يتشجع الزائر على زيارتها باستمرار، لأنه سيتمكن من تسوق كل شيء يريده من مكان واحد".
بوابة دفاع
وتضيف: "افتتاح مشروع في البلدة القديمة لم يكن سهلاً، هذا المكان الذي نحاول أن نؤسس فيه مكتبة، يعكس الصورة الثقافية للفلسطينيين، وليكون بوابة للدفاع وحماية للمكان من المستوطنين".
وتتابع: "لا أنكر أن تلك المعيقات تؤثر على عملي، ففي الوضع الطبيعي جميع محال البلدة القديمة تغلق الثانية والنصف ظهرًا، وعند إغلاق المحلات وخلوها من التجار والناس اضطر إلى إغلاق مكتبتي، رغم أنه يكون موعد زيارة طلبة الجامعات والزائرين بعد انقضاء دوامهم".
وتدعو العسيلي الفلسطينيين على اختلاف أماكن إقامتهم إلى زيارة البلدة القديمة باستمرار، والتوافد عليها طوال العام، وعدم الاقتصار على شهر رمضان فقط، والتمتع برؤية المعالم التاريخية والأثرية فيها والتعرف عليها.
ويسكن في البلدة القديمة في الخليل الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة حوالي أكثر من 7 آلاف فلسطيني و600 مستوطن.
وتشكل الخليل نموذجًا للصراع الفلسطيني– الإسرائيلي على الأرض، فهناك شوارع داخل المدينة مغلقة أمام الفلسطينيين، وأخرى يمرون منها بعد الخضوع للتفتيش.
ويخشى الفلسطينيون أن يسيطر المستوطنون على المزيد من العقارات في المدينة التي تحمل التحف المعمارية والتاريخية للفلسطينيين بذرائع مختلفة، منها أنها كانت ملكًا لهم في الماضي.
ويذكر أن البلدة القديمة في الخليل تضم 1829 محلًّا، منها 512 محلًّا مغلقًا بأوامر عسكرية إسرائيلية، معظمها في شارع الشهداء وسوق الخضار، وهناك محلات يمكن لأصحابها فتحها لكنها مغلقة، عددها نحو600 محل.