يتحامل المسن تحسين ارشيد على نفسه ليصل إلى مقر المجلس القروي لقريته "صير" علّه يظفر ببعض الدواء والعلاج الطبيعي للمعاناة التي أورثته إياها جلطة حادة في إثر سقوطه من على جرار زراعي.
يعد ارشيد (65عامًا) الأيام وصولًا لليوم الذي تأتي فيه مؤسسة طبية أهلية للقرية تقدم خدماتها الطبية الطوعية لأهلها في ظل افتقارها لمركز صحي، وعدم وجود أي نقاط طبية حكومية، "أخرج منذ الصباح الباكر لحجز مكان لي للحصول على بعض الرعاية الصحية".
ويضيف: "في الأيام الأخرى وعند شعوري بالألم يكون المشوار أشد مشقة عليّ إذ اضطر لقطع مسافات طويلة للوصول لأقرب مركز صحي في القرى المجاورة، ما يزيد ألمي ومعاناتي".
ويشعر ارشيد بالأسى لكون قريته محرومة من الخدمات قائلًا: "إن تمرض هنا يعني أنك قد تتعرض لمضاعفات خطيرة قد تصل للوفاة، فلا أحد في الحكومة يتطلع للحال الذي يعيشه أهل قريتنا، ومعاناتهم في الحصول على حقوقهم الأساسية".
هذا الحال البائس الذي يعصف بأهل القرية يخلق تذمرًا واسعًا يُعبّر عنه رئيس المجلس القروي وائل ارشيد إذ يُبيّن أنّ القرية الواقعة جنوب مدينة جنين ويحدها من الشرق بلدة عقابا ومن الشمال بلدة الزبابدة، ومن الغرب "صانور" يسكنها قرابة ألف مواطن يعانون تهميشًا من السلطة الفلسطينية وعدم اهتمام منها بتقديم أيّ خدمات.
الزراعة الأساس
ويشير إلى أنّ أهل القرية يعتمدون أساسًا على زراعة الزيتون، واللوزيات، والأعلاف، وغيرها من الزراعات المروية كالبطاطا والبصل، إلى جانب تربية المواشي والطيور، في ظل غياب أيّ حِرف اقتصادية أخرى.
و"صير" قرية رومانية قديمة، فاسمها مشتق من كلمة "سير" بالرومانية وتعني (المكان المرتفع) فهي تقع على جبل مرتفع وقد تحوّر اسمها ليصبح "صير"، وفي الوقت نفسه فإنّ للقرية تاريخ إسلامي إذ تحتوي على مقام يُطلق عليه مقام الشيخ ديب، ويعود تاريخه لقرابة 700 عام، وفق ارشيد.
ويتابع ارشيد: "تحتوي القرية على خربة كلها كهوف وآثار قديمة لكنها غير مؤهلة لاستقبال السياح، إذ لم تستجب وزارة السياحة لطلبات القائمين على القرية بترميم الأماكن السياحية فيها، حتى الشوارع الداخلية غير مؤهلة لأن يستخدمها أهل القرية فما بالك السياح؟!".
وتفتقر القرية لكل أنواع الخدمات بخلاف الطرق غير المعبدة، ولا يوجد فيها مركز نسوي أو عيادة صحية، أو مراكز اجتماعية أو مكتبات، "ولا يحصل سكانها على الخدمة الطبية سوى من فريق طبي تابع للإغاثة الصحية" يأتي بين الفينة والأخرى لتقديم خدمات صحية طوعية".
ويستنكر ارشيد الظلم والتفرقة الذي تمارسه السلطة الفلسطينية بين القرى والبلدات بالضفة الغربية، "ففي حين تتلقى محافظات وبلدات مشاريع بمئات آلاف الدولارات للبنية التحتية توجد أماكن كقريتنا محرومة من أدنى الخدمات".
ويرى أنّ تبرير السلطة لهذا الظلم بكونها تُركّز في مشاريعها على المناطق المصنفة (ج) أو المهددة بالاستيطان غير منطقي، "أهذا يعني ظلم المناطق المصنفة (أ) و(ب) والمطلوبة أساسًا من السلطة الفلسطينية، وتهميشها بشكل غير منطقي، لمدة عقود من الزمن".
ويقول: "كل ما نطلبه هو العدالة في توزيع المساعدات والمشاريع بين التجمعات السكانية الفلسطينية بالضفة، نحن لا نريد أكثر من شمولنا بالمشاريع، كتعبيد الطرق كل أربع أو خمس سنوات على الأقل، كقرى مجاورة لنا كـ"سيلة الظهر" و"صانور".
ومع افتقار القرية للمراكز الثقافية والتعليمية، شرع المجلس القروي ببناء قاعة متعددة الاستعمالات فوق مقره، على نفقته الخاصة بعدما فقد الأمل في الحصول على أي تمويل من السلطة.
ويقول ارشيد: "نحتاج لمتنزه وقاعة اجتماعات وحدائق للأطفال، لا نريد سوى بعض الاهتمام، بنية تحتية، طرق داخلية وأخرى تربطنا بالقرى الأخرى".
ويضيف: "نريد مركزًا طبيًا دائمًا فالحصول على الخدمة الطبية خاصة تطعيم الأطفال مرهق جدًا من حيث الوقت والجهد، إذ يضطر الأهالي لقطع مسافات طويلة للحصول على العلاج، حتى خطيب للمسجد الوحيد بالقرية لم نستطع التحصل على موظف متفرغ، بالرغم من حاجتنا له في خطب الجمعة والأعياد والجنائز".
ويلفت إلى أنّ القرية التي تشتهر بوجود أحراش كبيرة، لا تزال تسعى كذلك للحصول على دعم لإقامة متنزه عام ليكون متنفّسًا للمواطنين لما تُمثّله المنطقة من سمات جمالية.