كان الشعار المركزي للتظاهرة الصغيرة، المترددة، الخجولة، المتلعثمة، الذي رُفع الجمعة في يافة الناصرة التي فقدت خمسة من أبنائها "بدنا نعيش". و"بدنا نعيش" هو شعار يصلح أيضا لبعض المحلات المفتوحة التي أحاطت بدوار التظاهرة، بعض المحلات أيضا لم تنضم للإضراب لأنها "بدها تعيش". دولة الاحتلال وجيشها والشاباك يقتلوننا لأن الإسرائيليين "بدهم يعيشوا".
لا نستطيع التفكير بشعار أبعد عن وصف طبيعة ما نمر به، وأبعد عن طبيعة علاقتنا مع دولة الاحتلال، من شعار "بدنا نعيش"، الذي يوجه إلى احتلال يريدك مقتولا ليس لأنه ظن لوهلة أنك لا تريد أن تعيش، بل ولا يوجد ما يجعل دولة الاحتلال والشرطة والشاباك يخلدون للنوم مرتاحين أكثر من شعار "بدنا نعيش". هذا الشعار المؤدب والمطمئن وأنت محاصر من الشرطة ومن الشاباك ومن عصابات الجريمة، هو شعار ممتاز لتحييد الوعي حول طبيعة علاقة العداء السافر والتناقض الواضح مع "الدولة".
رغم ذلك، لا شيء أقرب لوصف حالتنا الهشة غير الواثقة، من أن رغبتها للحياة معروفة للجميع، من هذا الشعار الوضيع. مع ذلك، لا يوجد شعار أقرب لوصف حالتنا من شعار "بدنا نعيش". لا شيء أقرب لوصف تظاهرة ضمت على الأكثر 400 شخص خرجوا بعد مجزرة قتل 5 شباب في البلدة وتفرقوا بعد ساعة، وكان من المخطط أن يدخلوا زقاق البلدة لولا أن صرخ شاب في حفنة جمع تائهة: "أين تذهبون لنبق في الشارع ونغلقه".
هذا الشعار لا يعني في ظروف وضوح العداء إلا أمرا واحدا: "خلونا نعيش". فـ(إسرائيل) لا بد أنها تعرف أننا نريد أن نعيش.
"بدنا نعيش" هو شعار قريب لوصف حالة يقول بها رئيس لجنة المتابعة للمتظاهرين في قضية قتل ديار عمري في ساحة المحكمة "قولولي شو بدكو وأنا جاهز"، ممثل أعلى هيئة سياسية في الداخل جاهز لكي يفعل ما يرغب به الشعب.
القيادة تيسر الندوة التي نعيشها. مشهد يوم الجمعة ليس لقطة عبثية، أنه لقطة صادقة ومعبرة عن سياسة عبثية. المحلات غير المغلقة حول دوار التظاهرة، العدد الذي لا يصل لنصف حضور حفل زفاف في القاعة التي تقابل دوار التظاهرة، الشاب -يعطيه العافية- الذي صرخ وغيّر مسار التجمع، الساعة اليتيمة (يتيمة لأن البعض فض الوقفة –كانت قيادة جماعية اعتباطية توضح حالة التيهان والضياع- لكي "يتفرغوا للجنازات")، لحدث كان من المنطقي أن يكون مزلزلا، هو صورة تكبيرية فاضحة لمجتمع ينكمش بكل هيئاته.
الوعي الذي تعكسه الشعارات هو وعي تائه: فدولة الاحتلال في بعضها إرهاب، وفي بعضها الآخر نطلب منها الحماية، ونطلب منها ألا تخل بالمواطنة المتوخاة. دولة الاحتلال تعتبرنا أعداء لكننا مصرين إصرارا وإلحاحا ألا نعتبرها عدوة. نحن في حالة غضب لكن غضبنا متماسك ومنضبط تماما، فلا يوجد شعار يهدد بأي سلوك يكسر القاعدة، مثلا: "لا يحق للإسرائيلي حياة طبيعية طالما الفلسطيني يقتل"، "لن ندفع الضرائب"، "الدولة تعادينا"، قل ما تريده حدودا لوعيك ولطموحاتك، فالشعارات ليست برنامج عمل، ونقطة قوتها أنها توسع من مجال الفعل في الخيال، والخيال هو الذي يبدأ به الممكن، وهو الذي يبقى في الحالة الرديئة كجمر ينتظر الاتقاد.
نحن نعرف عصابات الجريمة بالاسم، ومع ذلك لا شعار واحد ضد عصابات الجريمة -لم أسمع الخطابات بالتالي لا أستطيع أن أجزم، لكننا نستطيع أن نخمن- لا شعار حول مقاطعتهم، لا شعار حول إرهابهم وإجرامهم، لا شعار ضدهم. حتى المتابعة التي تعلن بفخر في كل فرصة أنها "ميسرة لنشاطات" هذا الشعب التائه لم تجد ضرورة لتثبيت شعارات مركزية ضد عصابات الجريمة، لماذا؟
انتهت المظاهرة التي كانت أشبه بفعل تقرر تحت التنويم المغناطيسي، وأتى بصورة خالية من الروح ومن الثقة ومن الوضوح، حتى أن شعار "بدنا نعيش" بدا وسط هذا الجو غير مقنع.