تحظى جرائم المستوطنين في الضفة الغربية والقدس برعاية ومساندة كاملتيْن تقدمها حكومات الاحتلال والكنيست، حتى غدت هذه الجرائم إرهابًا منظمًا تمارسه عصابات يهودية بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
لكنّ هذا الإرهاب وبقدر تصاعده في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أصبح يجلب العقاب لـ(إسرائيل) عبر عمليات ينفذها فدائيون فلسطينيون، إما بشكل فردي أو ممّن ينتمون لمجموعات المقاومة، التي تتصاعد بالضفة والقدس والداخل المحتل أيضًا.
وتزامنت الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية لهذا العام مع تصاعد واضح في انتهاكات المستوطنين وقوات الاحتلال.
وتتعدد عصابات المستوطنين وتتخذ من المستوطنات نقطة انطلاق لجرائمها الإرهابية، ومن أبرزها: "فتيان التلال"، ويحمل منتسبوها أفكارًا توراتية متطرفة تجاه الفلسطينيين، يؤمنون بما يسمونه "أرض إسرائيل الكبرى"، ويرفضون إخلاء أي مستوطنة.
كما تُعدُّ عصابة "تدفيع الثمن" أو "جباية الثمن" إحدى أبرز المنظمات الاستيطانية الإرهابية، وهي جماعة سرية شبابية يمينية متطرفة، يعتنق أعضاؤها فكرًا عنصريًّا قائمًا على الكراهية الشديدة للفلسطينيين، وتدعو إلى قتلهم أو طردهم، وتعزيز الاستيطان بالضفة وضمها لـ(إسرائيل).
يضاف إليها جمعية (إلعاد) الاستيطانية التي أسسها المستوطن "دافيد باري" في سبتمبر/ أيلول من عام 1986، وكلمة "إلعاد" العبرية اختصار لجملة "إيل عير دافيد"، وتعني بالعربية "نحو مدينة داود"، وهي ذراع ضخم وفعال لسياسات الاحتلال الاستيطانية والتهويدية في القدس.
وطيلة السنوات الماضية ارتكب المستوطنون جرائم يندى لها الجبين، لا زالت أدق تفاصيلها حاضرة لدى الشعب الفلسطيني.
جرائم لا تنسى
وتُعدّ مجزرة الحرم الإبراهيمي من أبرز جرائم المستوطنين، إذ قتل المستوطن "باروخ غولدشتاين" 29 فلسطينيًّا، وأصاب 150 آخرين بجروح حين كانوا يؤدون صلاة الفجر يوم 15 رمضان، الموافق 25 فبراير/ شباط 1994، بعدما فتح النار عليهم، وهم سجود داخل الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
كما أنّ تكرار اقتحام المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، والاعتداء على مقدسات المسلمين في الأراضي المحتلة، من أبرز جرائم المستوطنين.
وفي تاريخ 2 يوليو/ تموز 2014، أحرق المستوطنون الطفل المقدسي محمد أبو خضير (16 عامًا) حيًّا من حي شعفاط بالقدس المحتلة، بعد خطفه والتفنن في تعذيبه.
كما أحرق المستوطنون عائلة دوابشة، وهم أحياء، باستهداف منزلهم في قرية دوما بمحافظة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، بالقنابل الحارقة فجرًا في 31 يوليو/ تموز 2015، ما أدى إلى استشهاد الرضيع علي دوابشة (18 شهرًا)، ووالده سعد دوابشة (32 عامًا)، ووالدته ريهام دوابشة (27 عامًا)، حرقًا وهم أحياء، في حين أصيب شقيقه الطفل أحمد دوابشة بجروح وحروق بالغة.
وقتل مستوطنون المواطنة عائشة الرابي من بلدة بديا، غربي مدينة سلفيت، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وذلك باستهداف المركبة التي كانت تستقلها برفقة زوجها بالحجارة، بالقرب من حاجز زعترة، الأمر الذي أدى إلى استشهادها وإصابة زوجها بجروح.
وكان مستوطن قد دهس المواطنة غدير أنيس مسالمة (63 عامًا) يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، من بلدة سنجل برام الله بشكل متعمد، ولاذ بالفرار.
وفي تاريخ 21 يونيو/ حزيران 2022، استشهد الشاب علي حسن حرب (27 عامًا)، متأثرًا بإصابته بطعنة مباشرة في القلب بسكين مستوطن، في قرية اسكاكا شرق سلفيت، وذلك خلال تصديه وعدد من الأهالي لمستوطنين نصبوا خيمة في أرض تقع غرب القرية تسمى "الحرايق"؛ بهدف الاستيلاء عليها، ونقل إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات في سلفيت، إذ أُعلن عن استشهاده متأثرًا بإصابته.
كما دهس أحد المستوطنين بشكل متعمد الشقيقين محمد ومهند مطير، من مخيم قلنديا، بتاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بالقرب من حاجز زعترة جنوب نابلس، قبل أن يلوذ بالفرار، وذلك في أثناء قيامهما بتغيير أحد إطارات مركبتهما على جانب الطريق.
وفي جريمة أخرى استهدف مستوطن الشاب مثقال سليمان ريان (27 عامًا) بالرصاص يوم 11 فبراير/ شباط 2023، خلال هجوم لعصابات المستوطنين على بلدة قراوة بني حسان شرق قلقيلية، ما أدى إلى استشهاده.
اقرأ أيضًا: أبو كويك: زيادة اعتداءات المستوطنين تستدعي استنفار أبناء شعبنا
وقد استطاع مقاومون فلسطينيون النيل من عدد من المستوطنين في القدس والضفة والداخل المحتل، ضمن سلسلة عمليات فدائية، يرى مراقبون أنها تأتي ردًّا على جرائم المستوطنين لانتهاكهم حقوق المواطنين الفلسطينيين ومقدساتهم؛ ولا سيما المسجد الأقصى.
القتل المباح
ويؤكد المختص في شؤون الاستيطان محمد غنمة، أنّ المستوطنين ينطلقون في تنفيذ جرائمهم من الفكر "التوراتي" و"الصهيوني"، الذي يملأ عقولهم ويسيطر عليها، والقائم على إباحة قتل كل من هو ليس يهوديًّا.
وأضاف غنمة لـ "فلسطين"، أنّ حكومات الاحتلال المتطرفة ذات الأغلبية الدينية ليس لديها أيّ توجه، أو استعداد للحدّ من جرائم المستوطنين، أو العمل من أجل إنهائها.
وبيّن أنّ الانتفاضات الفلسطينية سواء عام 1987، أو في عام 2000، وما تلاها من تصاعد لأعمال المقاومة في الأراضي المحتلة، يُشكّل عاملًا يردع المستوطنين عن القيام بجرائمهم.
ونتج عن ذلك وفق غنمة، مرافقة عسكرية دائمة من قوات الاحتلال للمستوطنين خلال تواجدهم في قرى وأحياء مدينة القدس أو الضفة الغربية، ورافق ذلك تحصينات أمنية مشددة في المستوطنات ومحيطها.
لكنّ المستوطنين في الوقت الحالي -وفق غنمة- "وصلوا إلى مرحلة أصبحوا فيها قادرين على طرد وتهجير المواطنين الفلسطينيين بحماية جنود الاحتلال، انطلاقًا من مزاعمهم بأنّ أرض فلسطين لهم وحدهم".
ونبَّه على أنّ تصاعد جرائم المستوطنين قد يؤدي إلى ردود فعل ينضوي عليها انطلاق شرارة انتفاضة فلسطينية عارمة جديدة في وجه الاحتلال، ردًّا عليها.
من ناحيته، أكد مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد أريج للبحوث التطبيقية سهيل خليلية، أنّ تصاعد قوى المستوطنين لم يأتِ من فراغ، إذ إنّ المستوطنين ومجالس المستوطنات بدأوا يأخذون حجمًا أكبر من ذي قبل في حكومة الاحتلال.
وأضاف خليلية لـ"فلسطين": أنّ مجالس المستوطنات وجماعات المستوطنين كثّفوا عملهم بشكل أكبر في السنوات الماضية، وشكّلوا ثقلًا متزايدًا نتيجة تزايد أعدادهم في القدس والضفة الغربية، وساعد في ذلك حصولهم على تمويل من جهات مختلفة بمساعدة حكومة الاحتلال، ما أدى إلى تقوية نفوذهم وتنظيم حملات استهداف المواطنين الفلسطينيين.
وأكد أنّ منح حكومات الاحتلال التسهيلات اللازمة للتوسع الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، ساهم بشكل كبير في زيادة حجم الجرائم المرتكبة ضد المواطنين الفلسطينيين، بل إنه ساهم في التغطية عليها أيضًا.