فلسطين أون لاين

تقرير "الخرس الانتقائي".. سلاح الطفل للتعبير عن رفضه ما حوله

...
"الخرس الانتقائي".. سلاح الطفل للتعبير عن رفضه ما حوله
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

تفاجأت زميلات "لمياء" بفقدانها النطق فجأة دون أي مقدمات، بالرغم من أنها لم تكن تعاني أي مشكلات في الكلام، وظلّت على هذه الحال عدة أيام، يتحدثن إليها فلا تجيبهن، وفشلت كل محاولاتهن في استنطاقها ومعرفة ما الذي حدث معها.

وبعد عدة جلسات لدى المرشدة النفسية بالمدرسة تبين للأخيرة أن لمياء، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، أصيبت بصدمة من جراء اعتقال الشرطة والدها لتعثره في سداد ديونه بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة بقطاع غزة.

مشهد الاعتقال وحضور الشرطة لمنزل العائلة أصاب "لمياء" بالتوتر والحزن، وهي ترى والدها الحنون قد اقتادته الشرطة إلى السجن؛ لعجزه عن السداد بسبب تعطله عن العمل، ولانشغال الجميع في الأسرة بحادثة الاعتقال لم تجد مَنْ تبث له شكواها، وتتحدث له عن مخاوفها.

ظلّت لمياء طوال تلك الليلة عاجزة عن النوم، تتقاذفها الهواجس، حتى وجدت نفسها في اليوم التالي فاقدةً النطق "مؤقتًا" غير راغبة في الحديث مع أي أحد من حولها، وبجهود وجلسات إرشادية مكثفة من الإرشاد المدرسي عادت لوضعها الطبيعي.

حالة لمياء تصنف ضمن "الخرس الانتقائي" كما تبين المختصة بالصحة النفسية وتطوير التدريب الذاتي د. إيمان أبو قوطة، وهو آلية دفاعية يستخدمها الطفل للتعبير عن مقاومته واعتراضه وإحباطه من المحيط الذي يعيش فيه.

مقاومة الواقع

وتوضح أن الخرس الانتقائي نوع من أنواع المواجهة للتعبير عن الرفض الذي يعيشه الطفل، وهو يحدث غالبًا نتيجة صدمة، ونوع من أنواع المقاومة للواقع الذي يعيشه، "فيتعايش الطفل وظيفيًا (لا عضويًا) مع الألم، إذ يفقد صوته لكن الأحبال الصوتية ومراكز النطق تكون طبيعية".

وتبين أن الطفل في هذه الحالة بحاجة لرعاية ذاتية وأسرية قوية وجلسات استرخاء، وتأمّل، وفصل عن الواقع، واستقطاب أحداث سعيدة لمقاومة الحدث الذي يعانيه.

وتشير إلى أن الطفل يلجأ لهذا السلوك اختياريًا عندما يشعر بالخوف من التعبير عما بداخله أو يتعرض للقمع فيجد أن أسهل طريقة له الصمت.

وتشرح بالقول: "إذا أدرك الطفل أن تعبيره عن مشاعره سيؤدي إلى الألم والاضطهاد والتعذيب، يلجأ للصمت لأنه يقدر الأضرار التي ستصيبه إذا تحدّث".

وتستدرك: "لكن في بعض الأحيان يُستخدم الصمت آلية دفاعية عند بعض الأطفال للفت الانتباه، فيستجدي عاطفة مَنْ حوله بالتوقف عن الكلام، فيلقى اهتمامًا كبيرًا، والذهاب به للأطباء كي يعود لوضعه الطبيعي".

وتؤكد أن الأسرة هي الأساس في هذه المشكلة، فإذا كان يعاني فيها الطفل مشكلات فإنه سيلجأ لهذه الوسيلة، مبينة أنه في الوقت ذاته إذا لجأ الطفل لـ"الخرس الانتقائي" بسبب ظروف خارج الأسرة فإن المسئولية أيضًا تُلقى على عاتقها لكونها ربت طفلًا هشًّا غير قادر على مواجهة الظروف من حوله، وليست لديه ثقة بالنفس وصلابة نفسية.

وتضيف أن فقدان الثقة بالنفس يجعل الطفل مفتقدًا القدرة على التعبير وإبداء الرأي ما يستدعي زيادة وعي الأسرة بتنشئة الأطفال تنشئة سليمة نفسيًا ومنحهم فرصة للتعبير عن ذاتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وهذا يقود لنشأة طفل سوي.

هشاشة نفسية

وبحسب ما نشره موقع "سيليكتيف موتيزم سنتر"، فإن 90% من الأطفال الذين يعانون "الخرس الانتقائي يعانون أيضًا الرهاب الاجتماعي، وصعوبة في النطق، ويكونون في أقصى درجات الخجل، ولديهم أيضًا استعداد وراثي للقلق، فتظهر لديهم نوبات الغضب والبكاء الشديد وتقلّب المزاج، ومشكلات في النوم".

وأظهرت الدراسات بحسب الموقع، أن 20% إلى 30% من الأطفال لديهم صعوبة في النطق، ومشكلات في اللفظ، والتأتأة، والتلعثم، ويمنعون أنفسهم من التحدث.

أما في المدرسة، وفق أبو قوطة، فيجب إشراك هؤلاء الأطفال الذين يعانون هشاشة نفسية في الأنشطة المنهجية واللامنهجية كما يمكن اللجوء للمرشد النفسي لوضع برنامج علاجي لهم داخل المدرسة.

وأعربت عن اعتقادها بأن إيلاء مهمة "المعلم الصغير" لهذه الفئة يربي فيهم الروح القيادية، واتخاذ القرار والتخطيط، فإشراك الطفل مع المعلم في المدرسة يساعد حتى لو كانت الأسرة سوية أو غير سوية.

وتوضح بالقول:" فالطفل يقضي وقتًا طويلًا في المدرسة، بالتالي يمكن تعويض المهارات التي يفتقدها في الأسرة".

وتلفت إلى أنه يمكن معرفة الطفل الذي يختار "الخرس الانتقائي" في المدرسة بعلامات أهمها الخوف من الاندماج بالصف، وعدم المشاركة مع المعلم أو المبادرة للإجابة، والتجنب فهو يختار الجلوس بجانب الشباك أو في آخر الفصل.

وتنبه إلى أن "الخرس الانتقائي" ليس منتشرًا انتشارًا كبيرًا، وأنه نوع من أنواع اضطرابات الكلام، ويلجأ له الأطفال من سن السادسة حتى الثانوية العامة، ويكون من لديهم مشاكل في طريقة الكلام كـ"التأتأة" أو يعانون "طيف التوحد" ويكون لديهم لجوء للخرس.

أما الطفل الطبيعي فقد يلجأ له إذا كان فاقدًا الشغف لما يدور حوله، وإهماله من الآخرين، ما يؤدي إلى شعوره بالانطفاء، في غياب التعزيز، أو شعوره بالغيرة كوجود مولود جديد بالأسرة.