أوغل العدو الإسرائيلي في دمنا نحن الفلسطينيين، وأوغل في نهب أرضنا، والاعتداء على مقدساتنا، بل وتمادى في تجاهل حقوقنا السياسية والمدنية والدينية، متجاوزاً في ذلك وعد بلفور المشؤوم، الذي اشترط إقامة دولة يهودية، بالحفاظ على الحقوق المدنية والدينية للسكان.
وبعد 75 سنة من النكبة، لم يهزم الفلسطينيون ـ وباستثناء نفر قليل منهم باعوا أنفسهم للشيطان، ووضعوا يدهم في يد عدوهم، ونسقوا معه، وتعانوا أمنياً ـ وظل معظم الشعب الفلسطيني متمسكاً بكامل حقة بأرض فلسطين، ومستعداً للتضحية والعطاء، وجاهزاً لتلبية النداء، وهذا هو مصدر القوة والمنعة للقضية الفلسطينية، وهذا هو مصدر الضعف والقلق للوجود الإسرائيلي.
ضمن هذه المعادلة الاستثنائية من الحضور الشعبي الفلسطيني الفاعل والمقاوم، وضمن هذه المعادلة المذهلة من العطاء في كل ساحات المواجهة، قدم الشعب الفلسطيني حوالي 159 شهيداً منذ مطلع هذه السنة 2023، وقدم مئات الجرحى، وآلاف المعتقلين، إضافة إلى هدم عشرات البيوت على رؤوس ساكنيها، دون أن تسمع منهم صرخة أنين، ولا دمعة حنين، لقد عض الشعب الفلسطيني على الجرح، وأقسم على مواصلة مشوار الفداء حتى تحرير أرضه، وطرد عدوه، ولم يبقَ أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يرتب صفوفه، ويحدد أولوياته، ويحسن اختيار قيادته، فحتى هذه اللحظة، والشعب الفلسطيني يفتقد إلى القيادة التي تحسن توظيف شلال الدم الفلسطيني، وتجتهد في تطوير قدرات الشعب، والأخذ بيد الأجيال الشابة إلى ميادين الفعل القادر على رد العدوان، وإحباط المخططات الصهيونية.
الشعب الفلسطيني المعطاء بحاجة إلى قيادة وطنية إسلامية موحدة، قيادة سياسية وازنة، لا تكتفي بإصدار بيانات الشجب والإدانة للعدو الإسرائيلي، لتنام في حضن اللقاءات الأمنية مع المخابرات الإسرائيلية، ثم تلقي بالمسؤولية على المجتمع الدولي، وتناشد أمريكا كي تتدخل بالعطف والإحسان لمصلحة حقوق الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف التضحيات من أجل انتزاع حقوقه في أرض فلسطين، عليه أن يقدم التضحيات من أجل انتزاع قراره السياسي من يد حفنة مارقة، تسلطت على مصيره، وتآمرت على تضحياته، على الشعب الفلسطيني أن يختار قيادته الوطنية، رغم أنف الأعداء داخل الوطن وخارجه، وإذا كان اختيار القيادة حق للشعب، فالحقوق لا تمنح، الحقوق تنتزع، وانتزاع القرار السيادي الفلسطيني من يد القابضين على مصالحهم، والمفرطين بمصير الشعب، لن يكون سهلاً، إنها المعركة الداخلية التي خاضتها قبلنا كل الشعوب التي نالت حريتها، لقد خاضت الشعوب معاركها الداخلية بنفس الكفاءة التي خاضت فيها معاركها الخارجية، ودون وجلٍ، أو تردد، وقد دللت التجارب أن حسم المعركة الداخلية شرط لحسم المعارك الخارجية.
على جماهير الشعب الفلسطيني أن تتخذ القرار، حتى لا يظل عطاؤها بلا استثمار، وحتى لا يظل الدم الفلسطيني ينزف دون توقف، على جماهير الشعب أن تنتزع القرار من مخالب القيادة الراهنة، والتي لن تسلم بمصالحها بسلام، ولن تتنازل عن استثماراتها ومكاسبها بهدوء، القيادة الراهنة لن تنصاع لإرادة الشعب بإجراء الانتخابات الديمقراطية، إلا إذا تلمست غضب الشعب، ولسعتها نيران الثورة.
لتسقط هذه القيادة التي تربعت ـ عشرات السنين ـ على عرش القرار، وتركت الشعب الفلسطيني ينزف وجعاً، ولا يرى نهاية لظلمة المشوار.