فلسطين أون لاين

أعادوا استنساخ مدرستهم في خيام

تقرير "التحدي 5".. متنفس الأطفال الوحيد في تجمع بدوي معزول

...
طلبة مدرسة التحدي 5 يجلسون على ركام مدرستهم التي هدوها الاحتلال
بيت لحم/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

تشعر الطفلة كوثر الوحش في الصف الثالث الابتدائي بالحزن الشديد على ما آل إليه وضع مدرستها "التحدي 5" بعد هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي لها، وتحويلها إلى كومة من الركام، فالمدرسة على بدائيتها كانت متنفس الطفلة "الوحش" في ظل منطقتها الجبلية المحرومة من الخدمات حيث تبعد أقرب المدارس عنها عدة كيلومترات.

ففي منطقة جبلية وعرة في قرية "جيب الذيب" إلى الشرق من مدينة بيت لحم، كانت تقع مدرسة "تحدي 5"، التي أنشئت عام 2017م على مساحة 8 دونمات تبرع بها أفراد من عشيرة الزواهرة، وبنيت من طوب وسُقفت بالصفيح.

كانت المدرسة تتكون من أربعة صفوف أساسية بتعداد لا يتجاوز 60 طالبًا وطالبة، يأتون إليها من تجمعات جيب الذيب، والزواهرة، والوحش، وأبو محيميد، إذْ اختصرت تلك المدرسة على بساطتها على الطلاب من الصف الأول للرابع عناء الذهاب إلى مدارس بعيدة عدة كيلومترات عن تجمعاتهم السكنية في حر الصيف وبرد الشتاء.

غير أنّ الاحتلال لم يترك هؤلاء الأطفال العزل وذويهم يهنؤون يومًا بمدرستهم، "ففي كل يوم تقريبًا كان المستوطنون وجيش الاحتلال يقتحمون المدرسة ونشعر بالخوف منهم، لكنّ رغبتنا بالتعلم كانت أقوى من مضايقاتهم".

فالطالبة الوحش إحدى الطالبات المتفوقات في الدراسة وكانت تنتظر كل صباح بفارغ الصبر لتذهب لمدرستها التي لا تبعد كثيرًا عن منزلها، لتقضي وقتًا جميلًا في التعلم واللعب في قريتها "جيب الذيب" المحاطة بالمستوطنات من جميع الجهات ومحرومة من الخدمات والعيش الكريم.

تحدي المحتل

وبعد هدم المدرسة فإنّ الإدارة والطلاب لم يستسلموا لإرادة الاحتلال ونصبوا خيمتيْن في المكان، يدرس فيهما الطلاب جميعًا، "لكن الظروف فيها صعبة للغاية، فالخيمة مكتظة ولا ندرس طوال اليوم، بل لمدة ساعتيْن فقط، لا أستطيع استيعاب دروسي جيدًا كما السابق، أحلم بأنْ أدرس في مدرسة عادية وجميلة كبقية أطفال العالم".

ولا يختلف الحال كثيرًا لدى الطالبة فاطمة الزواهرة التي لم تستوعب بعد أنها استيقظت صباحاً لتجد مدرستها أثرًا بعد عين، إذْ هدمتها جرافات الاحتلال وطلابها نيام ينتظرون الصباح ليذهبوا لمدرستهم التي هي المتنفس الوحيد لهم في تجمعهم البدوي المعزول.

وانهمرت الزواهرة بالبكاء وهي ترى مقطع فيديو مصور لجرافات الاحتلال وهي تهدم مدرستها، متساءلة عن السبب الذي يدعو الاحتلال لاستهداف مدرسة لطلاب لا يتجاوز عمر أكبرهم عشر سنوات، "ما الذنب الذي اقترفناه ليحرمونا من مدرستنا".

وبالعودة لـ"نعمة الوحش" والدة الطفلة فاطمة فإنها تعتبر أنّ ما حدث للمدرسة جزء يسير من معاناتهم في "جيب الذيب" مع الاحتلال والاستيطان،" لقد جاءت المدرسة لتوفر عناء المشوار على طلابنا صغار السن، حيث يدرس فيها حاليًّا أربعة من أبنائي، والخامس سيلتحق بهم العام المقبل".

وتؤكد أهمية وجود مدرسة بمنطقتهم المعزولة والبعيدة عن الخدمات والمستهدفة بالاستيطان الذي يريد السيطرة على الأراضي فيها التي يعيش فيها قرابة 200 شخص، متمنية أن يستمع العالم الحر لمعاناتهم ومعاناة أبنائهم.

بدورهم ورغم صعوبة الظروف ومخاطرة المدرسين اليومية للوصول للقرية -بحسب مديرة مدرسة التحدي 5 شيرين أبو طه- فإنّ الطاقم التدريسي والإداري لم يستسلم لهدم الاحتلال للمدرسة بل استمر في أداء رسالته التعليمية في الخيام في ظروف بالغة السوء.

وتقول: "نخشى على الطلبة من الأفاعي والقوارض، بعد أن أصبحنا ندرس على الرمال مباشرة، لكننا مصممون على إكمال العام الدراسي مهما كانت صعوبة الظروف، فالأطفال هنا بحاجة ماسة للتعليم والخدمات".

وتشير إلى أنّ المدرسة كانت مكونة من أربعة صفوف من الطوب المسقوف بالحديد وغرفة للإدارة و"كرفان" للمعلمات، "كانت مدرسة بدائية جداً لكنها تضم في جنباتها الطلاب من الأول للرابع الذين كانوا يقطعون مسافات كبيرة جدًّا للوصول للمدارس".

وبيّنت أنّ هذه المرة الثانية التي يهدم فيها الاحتلال المدرسة بحجة وقوعها وسط منطقة أثرية إسرائيلية، مشيرة إلى أنّ المدرسة منذ إقامتها في 2017 وهي تتعرض لهجوم من المستوطنين وقوات الاحتلال، المتواجدين في مستوطنات "ازديبار"، و"ونيكوديم"، و"والداد"، ومعالي رحبعام".

وأشارت إلى أنه رغم أنّ المدرسة مبنية على أراضي مملوكة للمواطنين إلا أنّ مؤسسة "رغافيم" رفعت دعوى قضائية إلى إحدى المحاكم الإسرائيلية لهدمها، التي استجابت بدورها لدعوى المستوطنين.

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد أقدمت الأحد الماضي على هدم مدرسة "التحدي 5" في منطقة جب الذيب في بيت لحم، وسط "صدمة" الاتحاد الأوروبي الممول للمدرسة.