هل من الصواب أخذ حديث رئيس الوزراء نتنياهو عن التقدم في صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس على محمل الجد، أو يصير النظر إلى التصريح من باب الحيطة والحذر؟
تصريح نتنياهو عن إحراز تقدم في صفقة تبادل أسرى جاء رداً على وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، التي اعترضت على إطلاق سراح جثامين شهداء من الضفة الغربية محتجزة لدى الإسرائيليين، ثم جاء تصريح وزير الحرب، يوآف جالانت، ليتناغم بشكل مريب، مع تصريح نتنياهو، حين قال: إن احتجاز الجثامين لا يفيد كثيراً في عملية تبادل الأسرى مع حركة حماس!
حركة حماس لم تعقب على التصريح لا من قريب ولا من بعيد، وهي تعرف أن المفاوضات بشأن صفقة تبادل أسرى لم تتوقف، على مدار عشر سنوات، وأن المعيق الوحيد لتنفيذ الصفقة هم الإسرائيليون، وأن الواقع السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، والانتخابات الإسرائيلية المتعاقبة، وضعف الحكومات الإسرائيلية، هو الحائل دون القدرة على اتخاذ قرار بتنفيذ صفقة تبادل أسرى، وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تعتمد على المتطرفين بصفتهم مكوّنًا رئيسًا، لا يمكنها تنفيذ صفقة تبادل أسرى، قد تكون السبب في إسقاط الحكومة، ولا سيما أن الوزير "بن غفير" لمّا يزل يقاطع جلسات الحكومة، مبرراً عدم مشاركته بضعف رد الحكومة العسكري على المقاومة في قطاع غزة، ويشترط للعودة إلى جلسات الحكومة تنفيذ عملية عسكرية ضد شمال الضفة الغربية.
تجربة الشعب الفلسطيني مع عدوه الإسرائيلي تفرض عليه أخذ الحذر، وعدم تصديق التصريحات الرسمية العلنية، والانتباه لما تخفيه هذه التصريحات من خدع وكمائن، ولا سيما أن التصريحات عن إحراز التقدم في صفقة تبادل أسرى قد صدرت عن حكومة إسرائيلية تتعرض للانتقادات الداخلية من المعارضة، ومعرضة للسقوط من داخل الائتلاف الحكومي نفسه.
ومن المعروف أن الحديث عن صفقة تبادل أسرى يشير إلى الهدوء والسكينة، في حين الواقع الميداني يقول عكس ذلك، من هنا يجب التعامل مع هذه التصريحات كإبر تخدير، ظاهرها السلام، وباطنها عمل عدواني كبير ضد غزة، وهذا ما أشارت إليه القناة 14 الإسرائيلية، حين أكد مراسلها أن جهاز الشاباك الإسرائيلي قدم توصياته إلى المستوى السياسي الإسرائيلي، وفيها يعرب عن تأييده لعملية عسكرية ضد غزة.
تأييد الشاباك الإسرائيلي لعملية عسكرية ضد غزة يرجع إلى الربط بين أحداث الضفة الغربية المتصاعدة، وغزة، التي يحمّلها الإسرائيليون مسؤولية التحريض والتمويل، لذلك فإن أكثر ما تخشاه القيادة الإسرائيلية في هذه المرحلة انطلاق الصواريخ من غزة باتجاه مسيرة الأعلام الإسرائيلية، التي يرتب لها المستوطنون الصهاينة بتاريخ 18 مايو هذه السنة، فمعركة من أجل القدس ستستقطب مشاعر وتعاطف مئات الملايين من العرب والمسلمين، لذلك قد تحرص السياسة الإسرائيلية على التبكير في عدوان على غزة أسبق من مسيرة الأعلام بأيام، وهذا ما أشارت إليه القناة 14 العبرية.
في الساحة الفلسطينية لا تغمض المقاومة عينها، ولا تعرف النوم، وهي في مرمى نيران العدو العسكرية والإعلامية، فعين المقاومة تراقب، وأذن المقاومة تسمع، ولكن عقل المقاومة يدرس، ويفكر، ويخطط، ويد الأبطال على الزناد، لا ترتجف، ولا تهاب.