فلسطين أون لاين

في "الأغوار" ثأرا لصرخة المرابطة وفي نابلس كتبا الفصل الأخير للمطاردة 

تقرير "المصري وقطناني".. بقايا رصاصات وبقع دماء شاهدة على آخر ملحمة بطولية

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بقايا رصاصات فارغة، ودماء متناثرة، صفحة نص قرآني كان آخر ما قرآها: "إن موعدهم الصبح، أليس الصبحُ بقريبٍ"، تروي حكاية ملحمة بطولية خطها الشهيدان معاذ المصري (35 عامًا) وحسن قطناني (35 عامًا) صباح أمس وثالثهم الشهيد إبراهيم جبرين (45 عامًا) الذي فتح أبواب بيته في البلدة القديمة بمدينة نابلس ليتحصنا بداخله كما فتح أبوابه لمقاومين ومطاردين قبلهم، فتدفقت دماء الشهداء لكتب قصة حب وانتماء لوطنهم.

بطعم الانتصار ورائحة الدماء، لا يزال صباحات الثورة تشرق بدماء وسير الشهداء، ليذكروا أبناء شعبهم أن هناكَ وطنًا يئن وجرحًا لم يندمل ودماء نازفة لا زالت تضمد جراح الوطن.

استصرخت المرابطة لارا معتوق بعد سحلها من قبل جنود جيش الاحتلال وكشف جلبابها في اعتداءات جيش الاحتلال على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.

ثأر المقاومان المصري وقطناني لصرخة "الحرة" فاخترقت رصاصاتهم قلوب المستوطنين في "الأغوار" فأوقعت العملية ثلاث قتيلات مستوطنات بينهم مجندتان بجيش الاحتلال في 7 إبريل/ نيسان الماضي بالقرب من مفترق "الحمرا" شمال الضفة، مؤكدين أن "العين بالعين".

ومنذ قرابة شهر، تلاحق قوات الاحتلال المقاومين المصري وقطناني، حتى تمكنت من الوصول إليهما أثناء تحصنهما في منزل الشهيد إبراهيم جبرين الذي رافقهما خلال مطاردتهما وآواهما في منزله داخل البلدة القديمة.

حياة لجوء

في مخيم عسكر شرقي نابلس، عاش المصري وقطناني حياة اللجوء لكن لم تكن فلسطين بعيدة عن قلبيهما فغرسا حبًا وانتماء لوطنهم ومخيمهم، وثبتاه بين موائد القرآن وحلقات التحفيظ.

تحمّل الرفيقان في سبيل الدفاع عن وطنهما مرارة الاعتقالات في سجون الاحتلال والسلطة، اللذين تناوبا على اعتقالهما وتغيبهما عن عائلاتهم ومخيمهم، لدفعهما للعدول عن طريق المقاومة، إلا أنهما رفضا ذلك وخطّا الرفض بدمائهم، ورصاصاتٍ ظلت شاهدة على آخر ملحمة بطولية خاضها الشهيدان.

يحدد رضوان قطناني ابن عم الشهيد حسن أمرين في مسيرة رفيق دربه، الأول يتمثل في الانتماء للمساجد ولحركة حماس ودورات القرآن الكريم والمعاني الإسلامية السامية التي صقلت شخصيته المقاومة، ومسيرته في المخيم بما يمثله من رمز للقضية الفلسطينية ولحياة اللاجئين، فتشكلت شخصيته بين وجع اللجوء ونار الثورة.

وقطناني متزوج ولديه طفلان محمد (4 أعوام) وصهيب (3 أعوام) ويعمل بمصنع للإسفنج، لم يمنعه انخراطه في الحياة وكثرة الاعتقالات التي بلغت عامين ونصف لدى الاحتلال وأكثر من ثماني مرات لدى السلطة من الثأر للمسجد الأقصى ولصرخة المرابطة معتوق أثناء سحلها وكشف ملابسها.

يقول ابن عمه لصحيفة "فلسطين" ومن خلفه تصدح حناجر المشيعين بالهتافات الغاضبة: إن" لدى حسن مسيرة نضالية ومقاومة ليست وليدة اليوم، بل منذ زمن فخضع لاعتقالات قاسية وتعذيب شديد لدى السلطة".

من المفارقات التي ترسخ في ذاكرة قطناني أنه وبسبب الاعتقالات لم يشهد زواج ابن عمه الذي كان أسيرًا عند اعتقاله، "صعب ألا يشاركك رفيق الحياة فرحك وأنت لا تشاركه في لحظات تلخص حجم المعاناة التي نعيشها" يردف بمرارة وحزن.

مأوى المطارين

مع بداية انتفاضة الأقصى 2000 تعرض إبراهيم أحمد جبرين لإصابة بالبطن عندما كان يتصدى لقوات الاحتلال بالحجارة وإشعال الإطارات في بداية العشرينيات من عمره، وله أخ وأربع شقيقات وتوفي والده قبل سنوات.

 كرس جبرين حياته لرعاية والدته المريضة بمرض السكري المزمن والتي بترت أجزاء من قدميها إثر المرض وكان شديد الاعتناء بها ولا يفارقها حتى رحلت قبل عامين وهي راضيةٌ عنه، فكان بيته مأوىً للمقاومين من "عرين الأسود"، عرف عنه أنه صاحب روح وطنية وانتماء حقيقي فكان ملجأ لتأمين المطاردين.

اقرأ المزيد: حارة الياسمينة في نابلس.. حضن المقاومة الدافئ وحاضنتها الشعبية

حتى يوم أمس لم يكن ابن شقيقته الذي رفض الكشف عن اسمه يعلم بأن بيتَ خاله آوى المقاومين، فكان  شديد السرية والكتمان كما كان شديد البساطة، يعمل في بيع أوراق "الحمص الأخضر" التي تعرف في فلسطين بـ"الحاملة" أو في بيع الخردة مفضلًا هذه الأعمال عن مد يده للناس، فكان عفيفًا يرفض أن يمن عليه أحد بالمساعدة، وتعرض قبل عام لجلطة.

على وقع أصوات اشتباكات، أفاق ابن شقيقته الذي يسكن على بعد مسافة كيلومتر مربع من الحدث في حارة "المخفية"، يروي لصحيفة "فلسطين": "كنت من أول الواصلين للبيت المكون من طابقين في أسفله بعد المدخل فناء (حوش) ومطبخ وغرفة استشهد فيها، ودرج يوصل للطابق العلوي الذي آوى فيه المقاومين واستشهدا فيه".

استحضر بقية التفاصيل: "لم يتعرف المسعفون على خالي من شدة تمزق جسده، رأيته يرفع إصبع السبابة، كان المشهد مؤلمًا لأنني لم أجد أي ملامح لكني تعرفتُ عليه، ورأيتُ رأس كلبٍ فخخه الاحتلال وفجروه بالمنزل، ومن شدة الانفجارات تشوهت أرضية المنزل المتينة، والجدران مليئة بالشظايا والكثير من الرصاصات الفارغة".

قبل أربعة أيام كان آخر حديث جمعه بخاله، يكمل: "منذ شهر رمضان لم أره، افتقدته فاتصلت عليه وسألته إن كان يحتاج إلى شيئًا، فقال لي: إنه متعب، لكنه رفض أن أحضر للمنزل لاحتساء القهوة معًا، وتذرع بأنه خارج وهذه دلالة على سريته حتى أنني تفاجأت من أنه آوى الشهيدين محمد الجنيدي وحسام سليم".