منذ العدوان الاسرائيلي على جنازة الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، وما شهدته من اعتداء سافر على العلم الفلسطيني، فقد واصلت شرطة الاحتلال ملاحقتها بصورة مبالغ فيها لكل من يرفع هذا العلم، وكأنه بات سلوكًا أشبه بالكابوس الذي يلاحقها على مدار الساعة.
آخر هذه المشاهد حصل في الداخل المحتل حين سار عشرات آلاف الفلسطينيين حاملين أعلامهم الوطنية خلال "موكب العودة" باتجاه قرية اللجون، حيث داهمت شرطة الاحتلال بعض المقار الحزبية والسياسية لفلسطينيي الـ48، وأنزلت العلم الفلسطيني الذي كان يرفرف فوقها، واحتجزت بعض الشبان بعد رفضهم إنزال الأعلام بأنفسهم.
لكن هوس شرطة الاحتلال بمنع التلويح بالأعلام الفلسطينية بدأ قبل وقت طويل، حتى قبل إعلان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أنه أصدر تعليمات للشرطة بفرض حظر شامل على التلويح بالعلم الفلسطيني في الأماكن العامة، خاصة ذلك الحادث المروع في مايو 2022 عندما كاد ضباط الاحتلال يهدمون نعش الصحفية أبو عاقلة التي قتلها جنود الاحتلال بالرصاص في جنين، عندما حاولوا مصادرة الأعلام الفلسطينية التي رفعوها في موكب الجنازة.
هنا من الأهمية بمكان تأكيد حقيقة مفادها أن هذا ليس قتالًا على العلم الفلسطيني، بل إنه إشارة خارجية لمسألة أعمق وأعقد، وتتعلق بنظام السيطرة اليهودية في فلسطين المحتلة، ولذلك فقد استمر هذا الهوس لعقود من الزمن، رغم أن المحكمة العليا والمستشارين القانونيين للحكومة أكدوا مرارًا، منذ عام 1994 فصاعدًا، أن حظر رفع العلم الفلسطيني أصبح فعليًّا غير قابل للتنفيذ.
لكن قانون العقوبات الذي يجري تعديله من قبل الائتلاف اليميني الحاكم يسعى لحظر رفع علم "كيان معاد" يعرفه بأنه "كيان أو هيئة غير صديقة لدولة الاحتلال"، ورغم عدم وجود سلطة قانونية للقيام بذلك، لكن الشرطة وضباطها، خاصة في القدس المحتلة، يواصلون استخدام بعض المواد القانونية لمنع التلويح بالأعلام الفلسطينية، بما في ذلك أثناء مظاهرات الفلسطينيين في الأحياء والقرى والبلدات، خاصة منذ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة في مايو 2018، حصلت زيادة في الحالات التي منعت فيها الشرطة المتظاهرين من التلويح بأعلامهم في وقفات احتجاجية في جميع أنحاء المدينة المقدسة، لاسيما في حي الشيخ جراح.
إن هذا السلوك العدواني للاحتلال ضد العلم الفلسطيني، يتجاوز في الأساس انتهاك الحق في حرية التعبير، إلى ما أهو أبعد من ذلك يتمثل بانتهاك الحقوق في الكرامة الإنسانية، مما يؤكد أن نزع الأعلام الوطنية الفلسطينية بات جزءًا لا يتجزأ من جهود دولة الاحتلال لمحو الهوية والثقافة والتاريخ الفلسطيني من الفضاء العام، واعتبار مصادرة هذه الأعلام أحد أدوات ترجمة هذه الجهود العنصرية.