شهدت دولة الاحتلال في الأيام الأخيرة سلسلة زيارات أمريكية متلاحقة، آخرها رئيس مجلس النواب، الجمهوري المحافظ المتطرف كيفين مكارثي، على رأس وفد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وسط توتر لا تخطئه العين تجاه علاقتها مع الولايات المتحدة، وخشيتها من تراجع الدعم الإستراتيجي، ولا يمكن المبالغة في أهميتها لأمنها الذي يواجه في المدة الأخيرة خطر الانهيار.
تزامنت هذه الزيارات مع صدور إشارات تحذير صارخة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة، وأثرها في سياسة الأمن القومي الإسرائيلية، ولا سيما الخشية من تأثر حزمة المساعدات العسكرية الأخرى ومدتها عشر سنوات حيث تنتهي في 2028؛ صحيح أن هذه الحزمة الحالية ستتحقق بالكامل دون صعوبات؛ لكن الخشية الإسرائيلية أن تستمر الولايات المتحدة بالانسحاب بمرور الوقت كحامٍ دبلوماسي لدولة الاحتلال في المؤسسات الدولية، بما في ذلك استخدام حق النقض في مجلس الأمن.
لا يخفي الإسرائيليون أنهم عاشوا عقودا في كنف هذا الفيتو الذي حال بينهم وبين تعرضهم لفرض عقوبات كاسحة، وتحول كيانهم الغاصب إلى حالة جذامية، مع العلم أن هذا التقييم القاسي يستند لمجموعة من الاتجاهات طويلة المدى، ولعل أحداث الأشهر القليلة الماضية كشفت عن سلسلة من التحولات الإستراتيجية في العلاقات بين أهم حليفين، ولا سيما بسبب الانقلاب القضائي الجاري تنفيذه من حكومة اليمين الفاشي.
هناك جملة من الإجراءات التي شهدتها العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، احتجاجا على ما تنفذه الأخيرة من تشريعات قانونية، في حين تمثلت القوة الأمريكية تجاه الاحتلال بعدة طرق للتعبير عن استيائه منه، سواء من خلال الاستمرار في المقاطعة العملية لرئيس الحكومة، أو عدم دعوة وزرائه لزيارة واشنطن، أو تجنب استخدام حق النقض، أو تأخير المشاريع المشتركة، وإلغاء الاجتماعات والزيارات المتبادلة، وربما ظهور بعض الصعوبات في الموافقة على المساعدات السنوية الدورية.
الخشية الإسرائيلية تتمثل في إمكانية تجلي الأزمة مع الولايات المتحدة مع بدء حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، التي ستبدأ فعليًا نهاية العام الجاري 2023، وبعدها، مع العلم أن خطط تعزيز جيش الاحتلال تفترض أن المساعدات الأمريكية مضمونة، على الأقل في حدود المستوى الحالي لمدة عشر سنوات أخرى.
مع العلم أن نجاح التعامل الإسرائيلي ضد إيران، التي أصبحت على العتبة النووية، وتوسيع نفوذها في المنطقة، مرهون إلى حد كبير بالولايات المتحدة، وينطبق الشيء نفسه على الصراع مع الفلسطينيين، والأمل في تسوية سياسية مستقبلية بشروط تقبلها دولة الاحتلال، بجانب جهود الترويج لاتفاقات التطبيع الإقليمي، لكن بقاء التوتر بين واشنطن وتل أبيب قد يهدد نجاح كل هذه المشاريع التي يعول الاحتلال على إبرامها وتنفيذها.