فلسطين أون لاين

"زامور قلقيلية".. إرث المدينة المقاوم ومظهرها الديني في رمضان

...
زامور قلقيلية
قلقيلية-غزة/ مريم الشوبكي:

مع دخول وقت الإفطار، والإمساك عن الطعام، يدخل بيوت مدينة قلقيلية وينتشر في شوارعها. وهو أحد الشهود التاريخيين على أحداث المدينة، إنه زامور قلقيلية.

يحتل الزامور مكانة خاصة في قلوب أهالي المدينة، فلم يعد يقتصر على كونه وسيلة لإشعارهم بانتهاء أو بدء صوم يوم جديد، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من طقوس شهر رمضان، وواحدًا من معالم قلقيلية التراثية الشعبية، والذي تنفرد به عن بقية المدن والقرى الفلسطينية، وربما أيضا الدول العربية، والإسلامية.

‏يقول المراقب العام‏ لدى ‏بلدية قلقيلية‏ محمد يونس: إن الزامور في قلقيلية "إرث عن أجدادنا، دخل قلقيلية في أربعينات القرن الماضي، حين ذهب بعض المجاهدين في البلدة إلى مصر لشرائه، واستخدامه للتحذير من هجمات الاحتلال على القرى، وبقيت مهمته حتى عام 1967م تتلخص في إخطار المجاهدين، والسكان، وإنذارهم من الهجمات الصهيونية".

وبعد عام 1967م، اقترن صوت الزامور بشهر رمضان المبارك، حيث يتم تشغيله قبيل دخول الشهر الفضيل بخمسة أيامًا ابتهاجًا بقدومه، وقد تعود السكان عليه منذ ذلك الحين، وفق يونس.

ويتم إطلاق الزامور طيلة أيام رمضان قبيل آذان المغرب، وفي وقت آذان الفجر الأول (موعد الإمساك) لحث السكان على الاستيقاظ، لتناول وجبة السحور.

ويشير يونس إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حاول الضغط لإلغاء الزامور إبان انتفاضة الأقصى، "وبالفعل تمكن من منعه مدة من الزمن، ولكن بإصرار سكان قلقيلية عاد صوته من جديد، فهو إرث جهادي، وديني وسيبقى قائمًا".

ولإطلاق زامور قلقيلية طقوس كانت ترافقه في عام 1941 منذ لحظة دخوله، فكان له يد بطول نصف متر مثبت طرفها في وسط الزامور، وتنتهي بمقبض يمسك به الشخص الذي يدير الزامور، ويبدأ بتحريكه بشكل دائري من اليمين إلى اليسار ومن أسفل إلى أعلى.. وهكذا، كما تدور عقارب الساعة، فيخرُج صوت مدوّ يصل إلى أسماع الناس في كل أرجاء البلدة، والقرى المجاورة.

وعند قرب حلول آذان المغرب في شهر رمضان، يصعد اثنان أو ثلاثة من الفتيان إلى أعلى مئذنة مسجد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب التاريخي، حيث يوجد الزامور، ويتناوبون على إدارة يد الزامور، وما أن يرفع المؤذن أذان المغرب، يبدأ أحد الفتيان بتدوير يد الزامور بكل قوة ثم يتركها لتدور وحدها، فيصدر الزامور صوتًا مدويًا. 

وقبل أن تقف اليد عن الدوران، يأتي دور الفتى الآخر، الذي يقوم بتدويرها بقوة ثم يتركها لتدور وحدها، ويعاود الأول الكرّة مرة أخرى.. وهكذا. 

وتتكرر هذه العملية عند رفع آذان الفجر الأول، وهو وقت حلول الإمساك وعند الإفطار.

ويوضح يونس أن الزامور تنقل بين مآذن ومساجد مختلفة، وبدايته كانت عند مقر البلدية القديم.

"زمر زمر أب ياسين"

ويلفت يونس إلى أن الأطفال كانوا يراقبون الفتيان وهم يديرون يد الزامور، ومن فوق أسطح منازلهم أو من الأماكن العالية في حاراتهم، وعندما ينطلق صوت الزامور يهرع الأطفال إلى بيوتهم فرحين ليشاركوا أهلهم طعام الإفطار.

ويبين أن الأطفال بمجرد رؤيتهم لأبو ياسين ذاهبًا للمجسد ليطلق الزامور قبل عشر دقائق من موعد الإفطار، يستقبلونه بأغنية شعبية تخص قلقيلية "زمر زمر ابو ياسين.. بدنا ناكل جوعانين.. مشان نجبلك سلة تين".

وأبو ياسين هو أول شخص تولى مهمة تشغيل الزامور، في حين اليوم يقوم بتشغيله موظف تابع للبلدية.

وصوت الزامور طقس ديني تعود عليه سكان المدينة، فعند إصابته بعطل وتوقفه صوته، تنهال الاتصالات مستنكرة عدم إطلاقه، سواء في وقت الإفطار أو السحور، وفق يونس.

وزامور قلقيلية إرث مقاوم أولًا، وديني ثانيًا، ومجتمعيًا لطالما كان، "قد لا يكون صوته هادئًا أو موسيقيًا، ولكنه من أحب الأصوات لقلوب أهل هذه المدينة وبه تنفرد عن بعض محافظات الوطن التي لها إرث مع مدفع رمضان".