معركة سيف القدس بدأت يوم 10 مايو2021، الخامس والعشرين من شهر رمضان، وذلك على خلفية عدم استجابة (إسرائيل) للتحذير الأخير الذي أطلقه محمد الضيف “أبو خالد” قائد أركان المقاومة الفلسطينية، لـ(إسرائيل) بوقف اعتداءات المستوطنين والشرطة الإسرائيلية على المقدسيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ووقف إجراءات التهجير القسري لبعض عوائل حي الشيخ جراح، وكذلك الإفراج عن مئات المعتقلين ممن تم اعتقالهم بالقدس على خلفية أحداث باب العامود والشيخ جراح.
حينها حددت المقاومة ساعة الصفر وهي السادسة مساءً يوم العاشر من مايو، ونفذت تهديدها على الفور، وسط قبول واحتضان شعبي كبير، وأطلقت غرفة العمليات المشتركة على العملية اسم سيف القدس، وأدارت الغرفة المشتركة الأعمال العسكرية والنفسية والأمنية والإعلامية بذكاء واقتدار، وردت دولة الاحتلال بعنف كبير أسفر عن استشهاد 227 فلسطينيًّا، من بينهم 64 طفلًا و38 سيدة و17 مسنًّا إضافة إلى 1620 إصابة بجروح مختلفة، بالإضافة إلى تدمير كبير في البنية التحتية، وهدم مئات الوحدات السكنية.
يبقى السؤال حول أهم نتائج المعركة، وماهية النصر الإستراتيجي الذي يتحدث عنه بعض قادة المقاومة؟ وهل التاريخ يعيد نفسه بعد عامين من المعركة؟
الحروب تقاس بنتائجها، وفي تقديري أن معركة سيف القدس من أهم نتائجها ما يلي:
أعادت القضية الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي، وبتنا نستمع لمواقف أمريكية تتحدث أن القدس منطقة محتلة متنازع عليها، بالمقارنة مع مواقف إدارة ترامب في ذلك الوقت، والتي تحدثت عن أن القدس عاصمة موحدة للاحتلال الصهيوني.
هدمت الجدار النفسي الذي نجح الاحتلال في بنائه بين التجمعات الفلسطينية، وهو ما انعكس على وحدة وثورة شعبنا في القدس وفي داخل فلسطين المحتلة (اللد ويافا وعكا إلخ…) وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، ومن يتابع المشهد اليوم وطبيعة الرد لما حصل بالمسجد الأقصى، انطلاقاً من لبنان، وليس انتهاءً عند غزة وما بينهما عملية غور الأردن، ومسيرات الداخل الفلسطيني المحتل، ما يؤكد صوابية أن سيف القدس لم ولن يخمد.
لم ينتصر الفلسطيني في رد العدوان عسكريًّا وفقط، بل هناك انتصار الرواية والسردية الفلسطينية، وهو ما انعكس على حجم المشاركات الشعبية لدى المجتمعات الغربية المناصرة لفلسطين، والرافضة لجرائم الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وكان لذلك أثر كبير على مواقف تلك الدول، وهذا يجب البناء عليه بعد انتهاء المعركة ضمن إستراتيجية وطنية تعمل عليها الدبلوماسية الرسمية والشعبية للفلسطينيين ولأحرار العالم من العرب والغرب، وبعد عامين على هذه النتيجة، بتنا نقرأ طبيعة التحولات الإقليمية والدولية، والتي تترك أثراً على الوعي الجمعي الرافض للاحتلال.
أكدت صوابية نهج مراكمة القوة، والمزاوجة بين العمل السياسي والمقاومة بكل أشكال المقاومة، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وهو ما بات معمولاً به في جميع الساحات، وترجم عمليًّا في الأيام الماضية.
عكست صورة (إسرائيل) الحقيقية، وأفشلت رواية أن (إسرائيل) هي "الدولة الديمقراطية" الحصرية في الشرق الأوسط، فبعد قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، وقصف الصحفيين، وقتل الأطفال والنساء، وترويع الآمنين، أصبحت إسرائيل في نظر الرأي العام الغربي أنها دولة إرهاب وأبارتهايد، وبعد عامين ظهرت فاشيتها أكثر، وانقلابها على قيمها الديمقراطية عبر الانقلاب القضائي، والذي بات يشكل كابوساً على مستقبل دولة الاحتلال ووحدة مواطنيها.
أعادت رسم الخارطة السياسية الفلسطينية من جديد على قاعدة تثبيت مفهوم أن فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس هي فاعل أساس ورئيس في المشهد الفلسطيني، وأنها صاحبة قرار السلم والحرب، وأن التعاطي معها ضمن قاعدة أنها جزء من الحل وليس المشكلة، سيكون سمة المرحلة المقبلة لدى أطراف دولية وإقليمية فاعلة، وبعد عامين أصبحنا نستمع للوفود الغربية والتي باتت أكثر قرباً على احتمالية الانفتاح على حماس، والسماع منها في العلن لا السماع عنها.
وهناك نتائج أخرى قد لا يتسع المقال لسردها، ولكن أختم مقالي بالإجابة على الشق الثاني من سؤال المقال وهو ماهية النصر الإستراتيجي.
سؤالي هنا، هل فعلاً حققت المقاومة انتصاراً إستراتيجيًّا؟
في تقديري نعم، وأنا هنا أدرك أن الاحتلال انقلب على اتفاق أوسلو الذي رعاه العالم أجمع برئاسة الولايات المتحدة، وهو من انقلب على وساطة القاهرة وغيرها من الوساطات في محطات عديدة – (وفاء الأحرار 1 – الحروب الثلاثة على غزة – مبعدي كنيسة المهد) – لن يلتزم في وقف الاعتداءات على الشيخ جراح أو المسجد الأقصى، حتى وإن خفف من إجراءاته العدوانية تجاه القدس، ولا أظن أن كل اعتداء على المقدسات سيقابله جولة تصعيدية كما حصل مع سيف القدس، ولكني أرى النصر الإستراتيجي ضمن منظور مختلف، وجوهره يقوم على مدى قدرة المقاومة على إحداث تصدع في ميزان المناعة القومي لدى دولة الاحتلال، لأنه في تقديري أن ضعف المناعة الداخلية هي أخطر التحديات التي تواجه دولة الاحتلال حسب مخرجات مؤتمر هرتسليا للأمن القومي عام 2012م، ولو قام مؤتمر هرتسليا بإعادة دراسته بعد حرب العصف المأكول 2014 وحرب سيف القدس وهي الأهم، في تقديري أن النسبة ستكون لافتة، ولو رصدت إسرائيل انعكاس اختلال ميزان المناعة القومية على نسبة الهجرة العكسية، ستكون أمام تهديد وجودي قد يكون أحد أهم الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة بالحديث عن وجود فرصة لتطبيق حل الدولتين، كونه أقل الخسائر على مستقبل إسرائيل في الوقت الراهن، ولكن هذا يتطلب صلابة ووحدة الموقف الفلسطيني، وخطاب إعلامي جديد ينسجم مع نتائج معركة سيف القدس.
وبعد عامين على المعركة باتت اليوم وحدة الميدان والساحات هي أبرز نتائج معركة سيف القدس، وربما لو أعدنا كتابة المقال بعد عدة أعوام ستتضح ملامح الانتصار الإستراتيجي بشكل أكبر.