وجهت الدول الإفريقية صفعة قاسية إلى رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو. ذلك, بعد إعلان رئيس توجو فور جناسينجبي, إلغاء القمة الإفريقية ـ الإسرائيلية التي كان من المفترض عقدها الشهر المقبل, بحضور ما بين 20 إلى 30 زعيم دولة إفريقية, واعتبرها نتنياهو الحدث الأهم لاختراق (إسرائيل ) للقارة الإفريقية, والموقف فيها من الكيان الصهيوني. وقالت المصادر الإسرائيلية: إن من يقف خلف قرار رئيس توجو, ضغوط فلسطينية وعربية, وليس فقط حالة الاضطراب ضد جناسينجبي. وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية رسميا قبل ثلاثة أيام أن جناسينجبي أبلغ نتنياهو بإلغاء القمة التي كان من المفترض عقدها في النصف الثاني من الشهر المقبل تشرين الأول (أكتوبر), وجرى الحديث عن احتمال مشاركة ما بين 10 إلى 30 زعيم دولة إفريقية, من أصل 54 دولة في القارة. وحسب ما نشر, فإن جناسينجبي ادعى أن الحديث عن تأجيل للقمة، وليس إلغاءها, بسبب عدم استكمال التحضيرات.
إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية, أشارت إلى أن توجو تشهد مظاهرات ومواجهات عنيفة, ضد الرئيس جناسينجبي, ولكن ليس هذا السبب الوحيد لإلغاء القمة, وإنما ضغوط فلسطينية وعربية حثيثة, على العديد من الدول الإفريقية, كي تمتنع عن المشاركة في هذه القمة, التي رأى فيها نتنياهو “جوهرة التاج” في أجندته الدبلوماسية في هذه المرحلة. وكان نتنياهو قد قال في احتفال لوزارة الخارجية الإسرائيلية, بمناسبة رأس السنة “العبرية” (نظمته قبل عشرة أيام) والذي يحل في نهاية الأسبوع المقبل, إن الانطلاق الكبير في العلاقات الخارجية الإسرائيلية, الذي يشمل كافة القارات, “إضافة إلى عودتنا إلى إفريقيا, يساهم في توسيع حجم المساعدات التكنولوجية من قبلنا, مما يثير اهتماما بالغا في القارة”. وأضاف نتنياهو قائلا: إن “العالم برمته يتغير, ولكن لا يعني ذلك أنه حدث تغيير في المحافل الدولية والأمم المتحدة واليونسكو بعد”. وقال, “الذي يحدث أمامنا يعدّ تغييرا كبيرا يحدث رغم حقيقة أن الفلسطينيين وللأسف الشديد لم يعدلوا بعدّ من شروطهم للتوصل إلى تسوية سياسية, مع أنها غير مقبولة بالنسبة لقسم كبير من الجمهور. ورغم ذلك يحدث تغيير, يعود إلى كوننا ننمي قوتين تأتيان معا بقوى ثالثة. أي نقوم في إطار سياسة محددة بتنمية القوة الاقتصادية ـ التكنولوجية التي تسمح بتنمية القوة العسكرية ـ الاستخباراتية الإسرائيلية, وهذا الدمج يمنح قوة سياسية مما يشكل مفهوما جديدا.”
معروف, أن نتنياهو كان سيستند إلى هذه القمة لتعزيز فرص إسرائيل بالحصول على مقعد ليس دائما في مجلس الأمن الدولي للعامين 2019 و2020, إذ إن إسرائيل بحاجة إلى ثلثي أعضاء الهيئة العامة في الأمم المتحدة, وعادة تقف إفريقيا إلى الجانب العربي في منع عضوية إسرائيل في مجلس الأمن, جولتين في إفريقيا, واحدة لغرب القارة والثانية لشرقها, ووزع من البيانات والخطابات, التي تدعي حالة اختراق في القارة الإفريقية لصالح الكيان الصهيوني.
وكان نتنياهو قد أجرى في العام الأخير جولتين في إفريقيا, واحدة لغرب القارة والثانية لشرقها زار خلالهما العديد من الدول الإفريقية, في محاولة لتخطي العزلة الدولية والمقاطعة, اللتين هما بمثابة خنجرين في الخاصرة الإسرائيلية. وقد حرص نتنياهو أن تكون أوغندا هي البوابة التي يدخل منها إلى القارة السوداء, لحضور مراسيم الاحتفال الذي جرى تنظيمه بمناسبة مرور 40 عاما على عملية “عنتيبي”, التي قامت بها مجموعة من مجموعات الشهيد وديع حداد بالتعاون مع إحدى مجموعات اليسار الألماني. نتنياهو فقد شقيقه يوناثان في تلك العملية التي كان الغرض الفلسطيني منها تحرير قائمة طويلة من الأسرى الفلسطينيين المحكوم كل منهم ببضعة مؤبدات, وهم كانوا من مختلف التنظيمات الفلسطينية, من خلال احتجاز ركاب طائرة: ”إير فرانس” وقد كان غالبية ركابها من الإسرائيليين, ومن بينهم شخصيات شغلت مواقع مهمة في الحكومة والمخابرات الإسرائيلية. فشلت العملية نتيجة لتآمر السلطات الأوغندية وتنسيق مخابراتها مع السي. آي. إيه، ومخابرات كينيا وغيرهما.
كانت زيارتا نتنياهو بعد محاصرة طويلة, بدأها الرئيس المرحوم عبدالناصر قبل حرب عام 1967, للكيان في إفريقيا, وبُعيد ذات الحرب, عندما دخل الرئيس الجزائري المرحوم هواري بو مدين, وقد طاف حينها العديد من الدول الإفريقية للهدف نفسه. بلغت مقاطعة الكيان أوجها في حرب أكتوبر عام 1973 حينما قطعت غالبية الدول في القارة السوداء, علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل. بعد اتفاقيات كامب ديفيد المشؤومة, التي قام بتوقيعها السادات مع الكيان الصهيوني, لوحظت مسألتان: الأولى: تراخٍ بل إهمال عربي بشكل عام, ومصري بشكل خاص في الحفاظ على العلاقات مع إفريقيا. الثانية: استغلال الكيان للاتفاقية مع مصر, لإعادة تسويق نفسه في القارة السوداء, كما تعزيزه لتقديم كافة أنواع الدعم الاقتصادي, المخابراتي, المشاريعي, العسكري وإرسال الخبراء في مختلف المجالات للعديد من الدول الإفريقية, سواء في ما يتعلق بتجارة المواد الخام (ومن أهمها الماس) أو الصناعات العسكرية. كل ذلك, أعاد إسرائيل إلى الواجهة الإفريقية. وعلى هذا الأساس كان من السهل على الكيان القيام بمهاجمة الطائرة المختَطفة.
كانت الزيارتان لاستعادة “أسس هشة”، حسبما ذكرت صحيفة نيوزويك، بين إسرائيل وإفريقيا. ولعل أبرز أسباب زيارتي نتنياهو إلى إفريقيا, هي: القيام بأعمال التجارية والحصول على بعض الخدمات، وهو ما أعلن عنه مكتبه, عن إطلاق حزمة مساعدة بقيمة 13 مليون دولار للدول الإفريقية، تشمل قطاعات الزراعة والصحة والأمن الداخلي. وفي هذا الصدد, يمكن القول: إن الحكومة الإسرائيلية عقدت اجتماعات في شهري يناير/كانون ثاني وفبراير/شباط الماضيين, بحضور مسؤولين أفارقة, وأكدت أنباء رشحت عن تلك الاجتماعات أن تعاونا إسرائيليا قائما (وسيجري تطويره مستقبلا) مع العديد من الدول الإفريقية, وبخاصة مع دول حوض النيل, في ملف المياه والسدود, بالإضافة إلى مشروعات مختلفة في مجالات الطاقة والكيماويات. كما أسست لزيارات إسرائيلية متعاقبة قادمة إلى دول غرب إفريقيا في شهري تشرين ثاني/نوفمبر وكانون أول/ديسمبر المقبلين.
كما حاولت إسرائيل من خلال الزيارتين, حشد التأييد لصالحها من الدول الإفريقية في مسألة بناء مستوطناتها في الضفة الغربية, والحصار المفروض على غزة، خاصة بعد إدانة المجتمع الدولي للاستيطان الصهيوني في أكثر من مناسبة, وقد أكد ذلك ارييه عوديد, السفير الإسرائيلي السابق لدى كينيا وأوغندا للإذاعة الألمانية من خلال القول: “يوجد في الامم المتحدة العديد من القرارات التي تستهدف إسرائيل, ونحن نريد تغيير هذا بمساعدة من الأفارقة. وهو ما برز في دعم إثيوبيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن, لمنح إسرائيل صفة مراقب في دول” الاتحاد الإفريقي”، فقد أكد رئيس الوزراء الإثيوبي ميريام ديسالين في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإسرائيلي ذلك قائلا, “إسرائيل تعمل بجهد كبير في عدد من البلدان الإفريقية، وليس هناك أي سبب لحرمانها من وضع المراقب”. وكانت دولة الكيان عضوا مراقبا في منظمة الوحدة الإفريقية حتى عام 2002، لكنها حلت واستبدل بها الاتحاد الإفريقي, الذي تسعى إسرائيل للحصول على صفة مراقب فيه. إسرائيل تحاول التنسيق الأمني مع إفريقيا في مواجهة الجماعات المسلحة التي تؤرق الأنظمة الإفريقية, بالإضافة إلى تأمين إسرائيل للملاحة في البحر الأحمر, من خلال إقليم القرن الإفريقي, الذي يتحكم في مضيق باب المندب، أيضًا, التأثير على الأمن المائي والغذائي للدول العربية وأهمها مصر خصوصًا في مشروع سد النهضة. جملة القول: إن ما تريده دولة الكيان من أهداف في إفريقيا, بات على كف عفريت, بعد الصفعة التي وجهتها لنتنياهو.