فلسطين أون لاين

تقرير فلسطينيات النقب.. جذور راسخة في الأرض رغم قسوة الحياة

...
جنود الاحتلال يعتقلون فتاةً من النقب المحتل- أرشيف
غزة-النقب المحتل/ يحيى اليعقوبي:

لا تتوفر لدى "أم فهيد الطوري" إحصائية دقيقة بعدد مرات هدم بيتها في قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف بالنقب المحتل، تجرعت خلالها مرارة التشرد مع أبنائها وبناتها بعيدًا عن زوجها الذي تحرمه سلطات الاحتلال من دخول القرية.

وتصف الطوري (46 عامًا) هدم البيت بأنه "قتل للوجود والحياة"، تخرج كلماتها محملة بثقل وأوجاع الهدم المتكرر، تضيف لصحيفة "فلسطين": "مهما تحدثت عن هدم البيوت لا يمكن التعبير عنه، فتأثيره على النفس والأطفال والجيران والأحباب شيء لا يطاق".

ولا تبذل السيدة الفلسطينية كثير جهد لتشرح لأبنائها الستة (3 ذكور و3 إناث) عن الهدم وقسوته لتعزيز انتمائهم بأرضهم، فهذا يأتي بصورة تلقائية عندما يرون سياسة الهدم والاستعلاء والظلم الإسرائيلي تجاههم.

وتتعرض قرية العراقيب الواقعة في منطقة النقب للهدم للمرة 214 على التوالي، وتقطن بها نحو 22 عائلة بمنازل مبنية من الخشب والبلاستيك والصفيح.

ولا تعترف سلطات الاحتلال بالقرية التي أقيمت للمرة الأولى في فترة الحكم العثماني على أراضٍ اشتراها السكان، ولكن أهلها يصرون على البقاء فيها.

ورغم الهدم المتكرر، لكنه من ناحية أخرى يزيد تلاحم العائلة، إذ تؤكد الطوري أن أهم جزئية في الصمود هو "تأمين الحضن الدافئ للعائلة".

وعائلة الطوري من بين عدة عائلات مكونة من 87 فردًا، بقوا في قرية العراقيب بعدما كان تعدادها 573 نسمة، يعيشون حياة بدائية بلا كهرباء ولا ماء، إلا من خلال حفر آبار أو استخدام الطاقة الشمسية للحصول على إنارة ضعيفة لا تكفي لتشغيل الأدوات الكهربائية.

وبنبرة ثبات تبعث برسالة بيوم الأرض تخرج من عمق انتمائها تقول الطوري: "نحن أسرة متكاتفة هدفنا واضح الاعتراف بقرية العراقيب، ولن نكل ولن نمل وسنصمد، لن نخذل قريتنا ما دمنا على قيد الحياة".

اقرأ أيضاً: بالصور قبائل البادية بغزة تؤكد دعمها الكامل لأهلنا في النقب المحتل

وفي ظل ظروف الحياة البدائية الصعبة حيث يحرم الاحتلال فلسطينيي النقب من الخدمات الكهرباء والمياه وخدمات التعليم، تضطر الطوري وغيرها من أهالي قرى مسلوبة الاعتراف بالنقب لإرسال أبنائها لمدينة "رهط" التي تبعد مسافة عشرة كيلومترات، وإيصالهم يوميًا بواسطة ما يملكونه من سيارات ووسائل نقل.

تأسيس حياة

في قرية بير الحمام، وبعدما هدمت آلية الاحتلال منزل صفاء الرفايعة (38 عامًا) وهي أم لخمسة أبناء، كفكفت دموعها، ونفضت غبار الانكسار، وبدأت تؤسس حياةً في بيتٍ جديد، بمساعدة زوجها وبعض الجيران.

"هدم البيت بمثابة هدم حياة الإنسان، عندما تجد نفسك في وضع تفقد فيه كل شيء بداية بممتلكات البيت، وإعادتك للحياة البدائية"، تقول الرفايعة لصحيفة "فلسطين".

وبعد كل هدم لمسكنها تجد نفسها أمام تحديات، أولها تهيئة أطفالها لتجرع الصدمة في ظل تخريب وتدمير الأثاث والممتلكات، وتأثرهم النفسي على ضياع ذكرياتهم من كتب وملابس وبيت وألعاب، ثم إيجاد المأكل والمشرب لهم، كما تقول.

وبغصة قهر، تصف وقع الهدم على أطفالها بـ"أنه أمرّ شيء واجهني هو سؤال أطفالي: لماذا هدم البيت!؟، فتجد نفسك في الإجابة، في لحظة تفقد مسارك الطبيعي في الحياة، فهدم البيت يترك أثرًا عميقًا في نفس الإنسان لا يمكن نسيانه".

لكنها وبكلمات ممتلئة بالانتماء، تؤكد عمق ارتباطها في أرضها: "الوطن والأرض لا يمكن التنازل عنهما مهما كان حجم الجريمة، فالاستسلام يعني الانتحار".

عن معاناتها في كل مرة هدم، تشرح ما تواجهه من تحديات: "ما من شك أن المرأة هي المتضرر الأول وهي من يعيش حياة التشرد في أعقاب الهدم، والمعاناة الأكبر تحدث بعد الهدم في محاولة إعادة الحياة لطبيعتها وهذا يتطلبُ وقتًا كثيرًا وموارد لإعادة بناء البيت".

تعود من الحاضر إلى الماضي، مستذكرة ما عاناه الآباء والأجداد من أجل الوطن، مشددة على أن "ترك الأرض مرة أخرى بمثابة السير نحو الغربة، فمهما حصل سنظل محافظين على أرضنا".

ورغم أن الاحتلال هدم منزلها ثلاث مرات، إضافة إلى منشأتين تملكهما العائلة، تقول بنبرة تحد للاحتلال: "لن يفلح بكسر إرادة الصمود بل يعزز الانتماء عند أولادي، الذين في كل مرة يكتشفون حقد الاحتلال".

ويوم الأرض بالنسبة للرفايعة هو تجديد العهد مع الأرض، وغرس الانتماء في نفوس الأطفال في رواية قصة صمود الشعب الفلسطيني في أراضي الـ48 يوم أحداث 30 مارس/ آذار 1976.