فلسطين أون لاين

غالانت يزيد من اشتباك السياسي مع العسكري

في الحين الذي تدخل احتجاجات مئات آلاف الإسرائيليين على حكومتهم الفاسدة المفسدة أسبوعها العاشر على التوالي، فإن رئيسها ومعسكر اليمين عمومًا فضّلوا إدارة ظهورهم لها، وعدم الاهتمام بها، والمضي قدمًا في انقلابهم القضائي، وكأن شيئًا لم يكن.

لكن الموقف الذي أعلنه في الساعات الأخيرة يوآف غالانت وزير الحرب، وأحد أهم مقربي نتنياهو، المعارض للإجراءات القانونية التي بدأت الحكومة باتخاذها، شكّل صدمةً من العيار الثقيل للأخيرة، ولا سيما بعد انضمام عدد من الوزراء ونواب الليكود إليه في موقفهم الذي فاجأ رئيسهم نتنياهو، وانسجام الوزير مع أقطاب الجيش والوزارة المتحفظ على ما تقوم به الحكومة، وفي الوقت ذاته سلط الضوء على حجم الاستقطاب الجاري بين السياسي والعسكري في دولة الاحتلال.

إن موقف غالانت وقبله عدد من وزراء الحرب السابقين، أمثال بيني غانتس وموشيه يعلون وشاؤول موفاز وإيهود باراك، تحمل جميعها دلالات غاية في الخطورة والأهمية، في ضوء أن المستوى العسكري ممثلًا بالجيش وأجهزة الأمن قد لا يرى نفسه مستقبلًا مستعدًا لتنفيذ سياسة يرسمها ويقرها المستوى السياسي فقط، بل بات يتمتع بمكانة خاصة، تنبثق عن أهمية قضية الأمن بالنسبة لدولة الاحتلال، التي أفرزت مع الأيام نظرية لها مشروعية في نظر صانع القرار تقول بأن "الدولة تواجه تهديدًا وجوديًّا".

تنطلق أهمية وخطورة مواقف من يرتدون "الزي الكاكي" من الانقلاب القضائي الذي ينفذه نتنياهو ومعسكره من ما يعتقد به العالمون في بواطن الأمور بدولة الاحتلال، ومفاده أن قادة الجيش ليسوا زعماء حكم ينتخبون، بل هم "الأمناء" الحقيقيون على الأمن القومي، وبالتالي أصبح مفهومًا لماذا يدلي رئيس الأركان وقائد الشاباك بتصريحات يعبّران فيهما عن موقفهما من الإصلاحات القانونية، وهي إجراء سياسي حزبي قانوني بحت!

في ضوء هذه العقلية يصبح مفهومًا أنه إذا مضت الحكومة قدمًا بإجراءاتها القضائية، فسيُنظر للمستويين العسكري والأمني بعين "القاضي"، وكأنهما من سيقرران ما إذا كانت أيّ تسوية داخلية مجدية لأمن الاحتلال أم لا.

هذا يعيدنا إلى فرضية مفادها أن جيش الاحتلال يتخذ قرارات فقط في حالات تهرب الساسة من المسؤولية، إذ شهدت السنوات الماضية ارتفاعًا لـ"منسوب" العسكر في السياسة، وبالتالي لا عجب أن يكون معظم أصحاب القرار من قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وحضورهم في الإعلام مكثف جدًّا، ولا غرو إن هيمنت وجهة النظر الأمنية على السجال السياسي والحزبي الداخلي.

كلُّ ذلك منح رجال الجيش والمخابرات دورًا مركزيًا في صيرورة دولة الاحتلال، إذ يتسللون منها لمواقع متنفذة، ونجحوا في خلق إجماع على مواقفهم وآرائهم، ودفع معارضي الحكومة لتحشيد المزيد والمزيد من الجنرالات السابقين لصفوفهم، بزعم أن صوت جنرال واحد معارض بألف صوت من خارج العسكر!