يسكن عبد الكريم أيوب على بعد 120 مترًا من جدار الفصل العنصري الذي يعزل قرية عزون عن الضفة الغربية، وليتمكن من الخروج والدخول إلى أرضه، فعليه أن يمرّ بما تسمى "بوابة زراعية" يقيمها الاحتلال، وتُفتح لمدة 25 دقيقة فقط.
وأينما أدار أيوب -السكرتير السابق لمجلس قرية عزون عتمة- وجهه، يصطدم ببوابات خمس مستوطنات إسرائيلية تقضم أجزاءً من أراضي القرية المليئة بأشجار الزيتون والحمضيات المثمرة، والتي يتطلب الوصول إليها "تصريحًا" من جيش الاحتلال مرتين في الموسم فقط، ولعدد محدود جدًا من أفراد العائلة.
و"عزون عتمة" قرية فلسطينية تقع في محافظة قلقيلية شمال الضفة الغربية، وهي واحدة من ثلاث قرى ضمن تجمع سنيريا الذي له حكايته وتجربته المريرة مع الجدار العنصري.
يبيّن أيوب لصحيفة "فلسطين" أن القرية ذات موقع استراتيجي وحيوي، إذ تقع على بعد 2 كيلو متر من الأراضي المحتلة عام 1948م، وتقع على الشارع الرئيسي قبل محاصرتها بالبوابات منذ سبع سنوات.
ويوضح أن الحصار أُحكم على القرية في عام 2002؛ لبناء جدار الفصل العنصري الذي شُيّد على خمس مراحل وانتهى العمل به في عام 2015م، وهو العام الذي أُغلقت فيه القرية عبر حاجز عسكري ومُنع الدخول إليها إلا بـ"تصريح"، إضافة إلى من يحملون عنوان عزون عتمة.
ويشير إلى وجود أربع "بوابات زراعّية" على جهات جدار الفصل العنصري الأربعة، والذي يعزل 3000 دونم خلفه، "تفتح البوابات من 20 إلى 25 دقيقة ثلاث مرات يوميًا، ويمنع أصحاب الأراضي من التوجه إليها إلا بتصاريح خاصة، وتضع سلطات الاحتلال معوقات كبيرة لمنح هذه التصاريح".
ويلفت إلى أن عملية بناء الجدار بدأت من المدخل الغربي للقرية بمحاذاة الطريق الالتفافي رقم 505 وصولًا إلى مستوطنة "شعار بتكفا" شرقًا، إذ نصبت سلطات الاحتلال برجي مراقبة عسكريين، كما غيَّرت في عرض الجدار ليصبح 3 أمتار وحوَّلته إلى سياج مزوَّد بشبكة إنذار متطورة.
ويعتمد أهالي القرية البالغ عددهم 2500 نسمة على الزراعة، إذ توجد فيها آبار ارتوازية، وتُعدّ جزءًا من سلة خضار فلسطين، كما يؤكد أيوب.
وتبلغ المساحة الإجمالية لعزون عتمة 9400 دونمًا دون المستوطنات أو الجدار اللذين اقتطعا 3000 دونم تجثم عليهما مستوطنتا "اورانيت" و"شعاري تكفا".
ويشير أيوب إلى ذهاب ألف دونم أخرى خلف الجدار، كما قضم الشارع الالتفافي لخدمة المستوطنين حوالي 350 دونمًا من أراضي القرية.
وبسبب إحكام الحصار على القرية ومنع دخول المزارعين تقلصت المساحة المزرعة في "عزون عتمة" بنسبة 30%.
ومن المعيقات التي يواجهها أهالي عزون عتمة منع البناء، والهدم المستمر للمباني القريبة من الجدار.
ويلفت أيوب كذلك إلى أن مدرسة من مدارس القرية الثلاث يمر بها خط الصرف الصحي لمستوطنة "شعار تكفا"، ويتعمّد المستوطنون كسره لإغلاق المدرسة، كما يختلقون الكثير من المشاكل كدعاوى رمي الطلاب للمستوطنة بالحجارة.
وتواجه مدارس القرية نقصًا في الغرف الصفيّة، وهي بحاجة إلى مرافق وغرف جديدة، ويمنع الاحتلال البناء فيها.
أرض بين بوابتين
أما نظمي الشيخ الذي يسكن قرية "بيت أمين" والتي يفصلها حاجز إسرائيلي عن "بيت عزون"، فيمتلك مع أولاد عمه 126 دونمًا تقع خلف الجدار، وأخرى داخل جدار المستوطنات، إذ يحتاج إلى تصريح من أجل دخول أرضه، وفي بعض الأحيان يلغى تصريحه ساري المفعول دون إعلامه.
ويقول الشيخ (69 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "أعاق الاحتلال دخولي لأرضي هذا العام بالرغم من سريان مفعول التصريح حتى 2023، وعندما راجعت الارتباط (التابع للسلطة) أبلغهم الاحتلال بعدم وجود مانع للدخول، وحين وصولي رفض الجنود على البوابة فتحها".
وبعد عناء لم يتمكن سوى من استصدار "تصاريح" جديدة لأبنائه وزوجته لمدة شهرين فقط، وفي بعض السنوات ضاع موسم الزيتون بسبب تأخر الموسم ورفضهم منحه "التصريح".
وتفتح ما تسمى "البوابة الزراعية" الأولى عند الساعة 6:30 صباحًا، والثانية الساعة 8:30 صباحًا، ويصطف المزارعين طوابير طويلة لأكثر من ساعتين ليتمكنوا من الدخول في 20 دقيقة، كما تُمنع المركبات من الدخول، ويسمح فقط بعبور الجرارات الزراعية.
وعملت سلطات الاحتلال على سدِّ الثغرات المقامة في السياج التي توصل المزارعين إلى أراضيهم، مع إضافة بوابتين زراعيتين: الأولى على مدخل قرية عزون عتمة الجنوبي، والثانية بالقرب من عين ماء الشلة في الجهة الغربية، والتي تدار حسب مزاج الجنود.
ويُضحّي الشيخ بأجور أبنائه اليومية وتعطيلهم من عملهم في الأراضي المحتلة عام 1948م لمدة 10 أيام في موسم الزيتون، لربطهم بالأرض معنويًا، ولحثهم على عدم تركها مثل أبيهم، الذي ورثها عن أجداده منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويشير أن سلطات الاحتلال تحاول عبر تشديد الإجراءات دفعَ المزارعين إلى ترك أراضيهم، من أجل الاستيلاء عليها وبناء المستوطنات.
ويؤكد أن الأرض هي ركيزة بناء الدولة الفلسطينية، لذا لن يتخلى الفلسطيني عن أرضه مهما كانت التضحيات.