فلسطين أون لاين

تقرير كيسان.. قرية شاهدة على الحضارة يحاصرها طوق استيطاني

...
كيسان.. قرية شاهدة على الحضارة يحاصرها طوق استيطاني
بيت لحم - غزة/ هدى الدلو:

يقطع أبناء الناشط الاجتماعي عدنان عبيات من قرية كيسان شرق بيت لحم 850 مترًا حتى يصلوا إلى مدرستهم، ويشهد تراب نصف المسافة التي يسلكونها في طريق استيطاني على العديد من جرائم المستوطنين مثل: دهس الأهالي، والضرب، والتهديد بالسلاح، كما حدث أخيرًا مع طالبات لا تتجاوز أعمارهن 11 عامًا.

تقع القرية في منطقة إستراتيجية تربط بين عدد من القرى الفلسطينية وتحاصرها المستوطنات من ثلاث جهات بشكل كامل، إذ أقام الاحتلال على أراضيها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي مستوطنة "معاليه عاموس"، و"آفي مناحيم" في 2000، و"ايبي هناحل" في 2014 ما يجعل أهالي القرية محاصرين بطوق استيطاني.

ويوضح عبيات لصحيفة "فلسطين"، أن مستوطني المستوطنات الجاثمة على أراضي كيسان، يشنون باستمرار هجمات على منازل القرية خاصة في الليل، ما يتسبب في إثارة رعب الأهالي وخاصة الأطفال، كما يتعمد المستوطنون دهس المارة على الطريق المحاذي للقرية.

ويشير إلى أن الخدمات الأساسية في كيسان معدومة على صعيد المواصلات والخدمات العامة، فلا يوجد إلا عيادة طبية واحدة تفتح ليوم واحد أسبوعيًّا، ومدرسة بنيت العام الماضي فقط بتدخل من عدة دول بعد معاناة لمدة 20 عامًا، وقد تهدم في أي وقت بسبب الإخطارات الإسرائيلية التي تصلها.

كما تفرض سلطات الاحتلال قيودًا على التوسع العمراني أدت إلى تقليص مساحات البناء، وتهجير الكثير من أهالي القرية إلى مناطق الشمال، مع عدم وجود مقومات صمود لمواجهة حرب المستوطنين، وفق عبيات.

وتعاني كيسان الاستيطان الرعوي، إذ يمنع المستوطنون المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى المراعي، ويستأثرون بها لأجل مواشيهم، الأمر الذي أصاب الثروة الحيوانية في القرية بضربة موجعة.

ويبين عبيات أن جزءًا كبيرًا من أراضي كيسان صودر فعلًا، وأقدمت سلطات الاحتلال ومستوطنوها على تجريف الأراضي وشق طرق فيها لخدمة التوسع الاستيطاني، ومنع زراعة الأرض، وتقليص الثروة الحيوانية بمنع الرعي في أراضي القرية، ومصادرة نحو 50 ألف دونم، لتحويلها إلى "محمية طبيعية" تهويدية.

كما يشير إلى إصابة عدد من أبناء القرية والقرى المحيطة بسبب استخدام جيش الاحتلال المساحات البرية كأماكن تدريب لجنوده.

معركة يومية

في حين يتحدث المزارع محمود صبح صاحب أرض استولى عليها الاحتلال في القرية عن تفاصيل المعركة اليومية التي يخوضها الأهالي ضد الاحتلال ومستوطنيه.

يقول: "اقتلعوا 320 شجرة زيتون من أرضي التي تبلغ مساحتها 40 دونمًا، وينفذ المستوطنون اعتداءات يومية علينا كما استولوا على تلة جبلية محاذية لمزرعتي لتوسيع المستوطنة، وجرفوا عشرة دونمات مزروعة بأشجار الزيتون لشق طريق استيطاني ضمن مخطط تهويدي يستهدف المنطقة".

ويلفت إلى أن مزارعي كيسان والقرى المجاورة يتعرضون لإطلاق نار وضرب ومطاردة واعتقال من الاحتلال وعصابات المستوطنين، وعلى الرغم من رحلة الموت التي يمرون بها للوصول إلى أراضيهم يواصلون صمودهم وزراعة أرضهم.

ويضيف صبح: "هم يقتلعون أشجار الزيتون ونحن نعيد زراعتها ولن نرحل عنها حتى الشهادة لأننا أصحاب الأرض التي تهون أرواحنا دونها، أما الاحتلال فهو إلى زوال مهما طال الزمن".

آثار منهوبة

الناشط في مجال حقوق الإنسان أحمد غزال، وأحد سكان كيسان لا يزال يستذكر جرائم الهدم التي نفذها الاحتلال عام 1988، حينما جلب حاويات لإنشاء بؤرة استيطانية، وسمحوا لنا بالبناء في حدود كيلو متر مربع فقط.

ويرجع السبب في هذا القرار الصادر عما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال أن القرية تقع في نطاق المناطق (ج)، وقريبة من الشارع الالتفافي للمشروع الاستيطاني الجاثم على 50 ألف دونم من أراضي القرية المصادرة، "وبالتالي فالبناء جديد ولكنه مراقب ومحدود بمساحات، ومع ذلك تصل إخطارات لبعض المنشئات بحجة أنها مزعجة للمستوطنين"، وفق غزال.

ويفيد في حديثه لصحيفة "فلسطين"، بأن هذه الأراضي تضم مواقع أثرية وطبيعية ذات أهمية في المشهد الحضري والثقافي الفلسطيني، مثل وادي الغار، الذي يمتد إلى أكثر من 20 كلم، ويحوي معالم تشهد على حضارة الإنسان الفلسطيني القديم، منذ ما قبل الميلاد حتى العصور اللاحقة، ومن بينها بعض المغر، التي عثر فيها على عظام بشرية وحيوانية، ولقى أثرية، وبقايا دير بيزنطي نقلت بعض موجوداته إلى المتحف الذي أقامه الاحتلال في موقع نزل السامري الطيب المصادر على طريق القدس-أريحا.

أما بالنسبة للبنية التحتية، يبين أن أهالي القرية بنوا بيوتهم دون أسس معمارية ليقينهم أن القرية ستهدم يومًا ما، فبات الوضع صعبًا، خاصة على صعيد خط المياه الذي لم يرمم منذ 30 عامًا بسبب منع الاحتلال لذلك بذريعة قربه من شارع استيطاني.

ويشير غزال إلى أن أقرب خط مواصلات "تقوع" يبعد عن القرية 4 كيلو متر، ما يدفع أهلها للسير مسافات بعيدة، ما يشكل خطرًا عليهم خاصة على طلبة مدارس الثانوية والجامعة.

وتعد كيسان إحدى البوابات الرئيسة لمدينة بيت لحم، وتعزلها سلطات الاحتلال عبر المشاريع الاستيطانية عن محيطها الفلسطيني لربطها بمستوطنة جاثمة على أراضي قرية المنية جنوب شرق بيت لحم، "ورغم ذلك يواصل أهلها بثبات التمسك بأرضهم، والتصدي لقوات الجيش والمستوطنين، لإحباط كل المحاولات التي تستهدف تهويد القرية وانتزاعنا من جذورنا".