فلسطين أون لاين

فلسطينيات الضفة في يوم المرأة العالمي.. 

تقرير أيقونات ثورية يقتتن الصبر من ذكريات ووصايا أبنائهم الشهداء

...
أيقونات ثورية يقتتن الصبر من ذكريات ووصايا أبنائهم الشهداء
نابلس – غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

  • أم إبراهيم النابلسي: الفلسطينية زيتونة صلبة وعلى العالم أن يرد لها حقوقها
  • صبح: لا نريد ورودًا ولا هدايا.. نريد فقط جثامين أبنائنا
  • العزيزي: صابرات ومحتسبات ونرى وجوه أبنائنا في كل الوجوه

تحول الشهيد إبراهيم النابلسي إلى أيقونة للشباب الثائر بالضفة الغربية هو المداد الذي تستقي منه والدته صبرها على فراقه وعزيمتها على مواصلة دربه من بعده والوقوف إلى جانب كل أمهات الشهداء المستقبليات اللاتي طالت قلوبهن أيدي الاحتلال بقتله أبناءهن، فـالجرح النازف في الضفة وحّد قلوب أمهات الشهداء اللاتي وقفن لجانب بعضهن البعض في ظل تخلي العالم أجمع عن قضيتهن العادلة وانتهاك الاحتلال لحقوقهن.

شعور الفخر لا يفارق "أم إبراهيم" بشهادة ابنها والرضا بقضاء الله وما يعزز ذلك الكم الهائل من المحبين للشهيد داخل فلسطين وخارجها ما يجعلها تشعر بأنه ما زال موجودًا في حياتها، "يكفيني أن إبراهيم ورفاقه الشهداء زرعوا الأمل في الأجيال الحالية فتوالى الشهداء من الشباب من بعدهم، فيما أصبح الكثيرون يحفظون وصايا الشهداء ويتتبعون سيرتهم".

لكن تلك الصورة القوية التي ظهرت بها أم إبراهيم وهي تحمل جثمان ابنها أثناء تشييعه لا تعني بالضرورة أنها ليست كأي أمٍ أخرى تعيش ألم فقدان ابنها وتقتاتُ الصبر من "ذكرياتها" معه التي لا زالت محفورةً في ذهنها ووجدانها.

تقول النابلسي: "في كل غرفة في البيت أسمع صوته، عندما أطهو أكلةً يحبها أشتاق إليه وأتمنى لو كان بيننا (...) كان معطاءً حنونًا، بهجة المنزل وضحكته الحلوة.. لكن حسبنا أنه نال ما تمنى واستشهد مقبلًا غير مدبر لأجل مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام".

رابط الدين

وتحاول "أم إبراهيم" التعالي على وجعها بأنْ تكون سندًا وعونًا لأمهات الشهداء فتتبع الأخبار يوميًّا وتكون أول الواصلين لأمهات الشهداء والجرحى لتخفف عنهن، "فواجبي طالما لدي القدرة على مواساتهن ألا أبخل عليهن بها خاصةً أن كثيرًا منهن كان أبناؤهن قد تأثروا بـ"إبراهيم".

وكلما ارتقى شهيد جديد تشعر "أم إبراهيم" بأن مصاب أمه هو مصابها، فهم جميعًا وهبوا أرواحهم لإعلاء "لا إله إلا الله، يربطنا جميعًا رابط الدين والدم والقتال ضد المحتل الغاصب، وواجبي أن أواسيهن". 

وإزاء كل تلك المعاناة، ترى النابلسي في احتفال العالم بيوم المرأة العالمي "كلامًا فارغًا في ظل الانتهاك المتواصل لحقوق المرأة الفلسطينية التي ينتهك الاحتلال حرمة منزلها بالاقتحامات ليلاً ونهاراً، ويعتقل ويقتل أبناءها، ويتعرض لها بالضرب والسحل في باحات الأقصى وغيرها من الانتهاكات".

وتضيف: "المرأة الفلسطينية إنسانة وعلى المجتمع الدولي قبل أن يحتفي بيوم المرأة أن يرد لها حقوقها، وينصف تلك المرأة المتشبثة في أرضها كالزيتونة".

"غيابه يمزقني"

وبينما يحتفي العالم بـ"يوم المرأة" الذي يوافق الثامن من مارس كل عام، تكتوي أم الشهيد يوسف صبح بنيران احتجاز الاحتلال جثمان ابنها، "كل يوم يحترق قلبي أنا ووالده، ونحن ما زلنا غير متأكدين من استشهاده من عدمه، وليس له قبرٌ نستطيع زيارته كلما اشتقنا له".

"يوسف" الابن الوحيد لأمه إلى جانب أربع شقيقات، كانت تتعهده هي ووالده بالرعاية ليكون سندًا لهما ولشقيقاته لكن الاحتلال باغتهم بقتله وهو لم يتم الخامسة عشرة من عمره بعد، وليزيد حرقة قلوبهم يحتجز جثمانه.

تقول صبح: "لم يتصلوا بنا، ليس لنا من رواية سوى ما شاهده بعض الشباب أنّ الاحتلال أعدمه من نقطة صفر".

ويغرس الاحتجاز في نفس والديْ صبح خنجرًا يمزق قلبيهما، فكلما مرت والدته بصورة له بالشارع أو خطر على بالها واعتصر قلبها ألمًا، وهي تخشى على زوجها الذي لا يصدق حتى اللحظة أنّ ابنه قد استشهد، ويدخر المال لكي يبني له ويزوجه.

تقول: "كلما رأيتُ جنازة شهيد غبطتُ أهله لأنهم سيحظون بفرصة توديعه وسيكون له قبرٌ يزورونه كلما استبدّ بهم الشوق (..) وكلما فكرتُ بأن جثمان ابني في ثلاجة يقاسي البرودة الشديدة أكاد أجن، وكلما فكرتُ بأن جثمانه قد لا يعود وأنا على قيد الحياة يصاب عقلي بالشلل".

وترى أم الشهيد صبح في "يوم المرأة" مناسبة لتسليط الضوء على معاناة الأمهات الفلسطينيات المحتجزة جثامين أبنائهن، ورفض الاحتلال منحهم الفرصة لرؤية جثامين أبنائهم والتأكد منها.

وتقول: "بينما يحتفي العالم بيوم المرأة يقارب جثمان ابني على عامه الثاني في ثلاجات الاحتلال، دون أن يتحرك أحدٌ من هذا العالم الذي يدّعي أنه يدافع عن حقوق الإنسان".

وتحاول صبح المكابرة على ألمها والخروج من منزلها لمواساة أهالي الشهداء، "لو بقيت في المنزل فإنني سأنهار نفسيًّا، أذهب لأمهات الشهداء وأدعوهن للفرح إذا تمكّن من توديع جثامين أبنائهن".

وتبين صبح أن عيدها الحقيقي ليس "يوم المرأة" بل يوم عودة جثمان ابنها ودفنه بالقرب منها، أما دون ذلك فإن هذه المناسبات العالمية مجرد "هراء" في ظل ترك العالم لنا كلقمة سائغة في فم الاحتلال، يقتل أبناءنا ويحتجز جثامينهم، "لا نريد ورودًا ولا هدايا، نريد فقط جثامين أبنائنا".

ذكريات

ولم تكن أم الشهيد محمد العزيزي بأفضل حالًا وهي تقاسي مرّيْن "الفراق" و"ألم احتجاز جثمان ابنها" بعد أن استشهد برفقة ثلاثة آخرين، "ألم احتجاز الجثمان مرٌّ كثيرًا، فأنا كأي أم كنت أهرعُ لتدفئة "محمد" في فصل الشتاء، فكيف لي أن يغمض لي جفنٌ وجثمانه في ثلاجة باردة؟!".

وتقتات والدة العزيزي في حياتها على ذكريات لا تعد ولا تحصى جمعتها بمحمد، "أذكره في كل صباح وأثناء وجبة الإفطار، ثم على الغداء خاصة إذا ما طهوتُ طبقًا كان يحبه، لا تزال حادثة استشهاده كأنها حدثت اليوم.

كان محمد قريبًا جدًا إلى قلب والدته، شديد البر بها، "أخبرني أحد أصدقائه وهو يراه قد اشترى لها خاتمًا من الذهب بأنه قد قال له "أمي ما بوفيها حقها، لو أجيبلها مال الدنيا".

وتضيف: "كنت أحلم بأن أراه في ثوب التخرج لكنه كان يقول لي بأنه يريد أن أراه بشيء أفضل من التخرج، لقد كان يسعى لنيل الشهادة في سبيل الله بكل جد، فأكرمه الله بها قبل أن أراه خريجاً".

وتردف بالقول: "رغم أننا صابرات ومحتسبات إلا أننا نبحث ونرى وجوه أبنائنا في كل الوجوه، ونستذكر مواقفنا معهم في كل لحظة، ونحاول أن نبدو ثابتين أقوياء رغم كل الألم".

وتعتقد أم الشهيد العزيزي أن الحديث عن "يوم مرأة" عالمي دون الاستماع لصرخات الأم الفلسطينية "لا طائل منه"، فلا أحد يستطيع تخيل حجم الوجع الذي نعانيه يومياً وجثامين أبنائنا في صقيع ثلاجات الاحتلال".