فلسطين أون لاين

تقرير "أم العبر" تعتاش على الصمود في مواجهة "سيناريو 67"

...
منطقة أم العبر و قد تحولت الى منطقة حدودية و مغلقة بعد حرب 1967م
طوباس – غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

لا يستطيع الحاج مفضي دراغمة أنْ يستوعب تبدل المشهد من حوله الذي ألفه منذ صباه، إذ كان يسرح بماشيته صباح كل يوم بحثًا عن الكلأ، ويستمتع بمشاهد الطبيعة الخلابة والتلال العالية في قريته "أم العبر" بالأغوار الشمالية. 

أما اليوم فلا يكاد يُطل برأسه من شرفة منزله حتى يرى التلال من حوله وقد اعتلاها المستوطنون الذين أصبحوا يحيطون بالقرية كالسوار بالمعصم.

نشأ دراغمة "64 عامًا" في القرية المحاذية للحدود الأردنية – الفلسطينية التي تعرضت للتهجير عام 1967م فلم يتبقَّ إلا القليل من أهلها الذين يعيشون بلا أي خدمات منذ تلك اللحظة، بل ويتعرضون لمضايقات من قوات الاحتلال لدفعهم للرحيل.

تعايش دراغمة وأهل القرية مع مضايقات الاحتلال الإسرائيلي ورضوا بالعيش دون أي مقومات للحياة في سبيل الحفاظ على أرضهم لكن هذا الصمود أغاظ سلطات الاحتلال التي تريد الأغوار كاملة دون فلسطينيين فيها، فضاعفت الاستيطان في المنطقة عدة أضعاف مؤخرًا حتى ضاقت الدنيا بالفلسطينيين هناك.

يقول: "لديّ غرفة واحدة من الباطون مبنية منذ عام 67م أسكن فيها أنا وأفراد أسرتي السبعة، محرم عليّ البناء والتوسع خارجها، ولكنني اضطررتُ مع ضيق المكان لبناء "بركس" للتوسع فيه، وفورًا باغتني الاحتلال بقرار هدمه وإزالته".

ويعيش دراغمة وسكان القرية دون كهرباء ولا ماء ولا أي مرافق لكن ما يهون عليهم معاناتهم أنهم يعيشون على أرضهم وأن مواشيهم التي تعد مصدر رزقهم الأول تسرح في حقول الغور الغنية بالأعشاب.

لكن هذا المشهد بدأ بالتغير الدراماتيكي مؤخرًا فقد زرعت سلطات الاحتلال مستوطنين في كل مكان بالأغوار، "حتى باتت كل التلال من حولنا يوجد عليها مستوطنون، يعتدون علينا وعلى مواشينا ويمنعوننا من رعيها، وتساندهم قوات مكثفة من شرطة وجيش الاحتلال تحول بيننا وبين طردهم من أرضنا".

حياة كر وفر

ولا يختلف الحال كثيرًا عند الشاب محمد بني عودة وذويه الذين يعيشون حاليًا معركة "كر وفر" بينهم وبين المستوطنين خاصة أن ثلاثة منهم سكنوا التلة المطلة على "أم العبر" منذ قرابة العام وقلبوا حياة أهل القرية رأسًا على عقب.

وما إن يخلد أهل القرية للنوم حتى يستيقظوا على "مصائب" قد نفذها هؤلاء المستوطنون، فهم يقتلون بعضًا من المواشي ويسرقون الآخر، وذلك عدا عن تدمير صهاريج المياه التي يسقي منها المزارعون مواشيهم. 

كما أقفلوا الطريق إلى القرية بأكوام من الرمال، "لم نعد نأمن على مواشينا فقد أصبحنا نترك واحدًا منا عندها طوال الليل والأمر مخيف في ظل وجود مستوطنين مسلحين مجرمين".

وكون القرية قريبة من شارع 90 الاستيطاني يجعل وصول قوات الاحتلال لمساندة المستوطنين أمرا غاية في السهولة، في حين يكافح الفلسطيني بصدره العاري لكي يحافظ على أرضه التي ورثها عن أجداده.

يقول بني عودة: "بالأساس نعيش ظروفًا صعبة بلا خدمات، حتى الماء نجلبه من قرية مرج نعجة المجاورة التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن قريتنا، نعاني عند جلبه ويحرمنا منه المستوطنون، وحاليًا يخشى مالكو شاحنات المياه الوصول إلينا بعدما سمعوه عن ممارسات المستوطنين هنا".

مآسٍ عديدة

ووفق المختص بالاستيطان في الأغوار أيمن غريب، فإن معاناة "أم العبر" جزء لا يتجزأ مما تتعرض له منطقة الأغوار بأكملها في إطار سعي الاحتلال الحثيث للاستيلاء على هذه المساحات الشاسعة من الأراضي.

ويبين أن "أم العبر" قرية فلسطينية هجر أهلها عام 1967م ولم يبقَ فيها إلا قليلٌ منهم، وهم يعتاشون من الرعي والزراعة، إلا أن الاحتلال لا ينفك عن مضايقتهم وملاحقتهم وتضييق سبل العيش عليهم.

ويوضح أن هدم البيوت يعد مأساة متكررة لسكان القرية، بجانب مصادرة المعدات الزراعية وحرمانهم من المياه التي هي عصب الحياة، كما أنهم يواجهون صعوبة في إدخال الأعلاف لمواشيهم.

وحاليًا ينشر الاحتلال المستوطنين من "فتيان التلال" حول القرية كغيرها من مناطق الأغوار، ومنذ ثلاثة أشهر خلت وهم ينغصون حياة المواطنين فيها، "ولنتبين صعوبة الحياة في القرية فإن المستوطنين الطارئين على المنطقة قد أوصل لهم الاحتلال المياه من مستوطنة "حمدات" التي تبعد عن القرية ثمانية عشر كيلومتراً"، يقول غريب.

ويعمد المستوطنون حول القرية لتخريب البيوت البلاستيكية وبيوت الصفيح للمواطنين ليلًا ويلقون بـ"الردم" في "وادي الفيران" الواقع بالقرب من الحدود الأردنية – الفلسطينية (وهو منطقة أمنية مغلقة لا يمكن للفلسطينيين الاقتراب منها) ما يجعل من المستحيل بالنسبة لهم استرجاعها.