غالباً ما تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال خطابها الموجه للمجتمع الدولي الظهور أنها دولة الديمقراطية والقانون، وتحتكم لمبادئ العدالة والمساواة دون تمييز، فهي تعمل في كل المجالات للسطو على ثقافة المجتمعات لتسويق فكرة احترامها للوجود الفلسطيني، لكسب التعاطف الدولي في سبيل تحقيق مساعيها بتوسيع نطاق تطبيع العلاقات مع الدول العربية وتجميل وجهها القبيح في العالم.
غير أن المتابع لملف القضية الفلسطينية وما يتعرض له الفلسطينيون يوميا في الأراضي المحتلة من إجراءات عنصرية تنتهجها سلطات الاحتلال يتيقن بما لا يدع مجالاً للشك أنها دولة فصل عنصري "أبرتهايد"، وهذا ما أظهرته الخطوط العريضة في تشكيل حكومة نتنياهو المتطرفة التي بدأت بالفعل على الأرض بفرض واقع يستهدف الوجود الفلسطيني في كل مكان، والخطورة تكمن في محاولة شرعنة سياساتها العنصرية بسن واستصدار قوانين ولوائح مخالفة للشرعية الدولية والأممية والاتفاقات الدولية، حيث تكرس تلك القوانين واقع الاحتلال وتكشف رغباته الحقيقية لاستهداف الوجود الفلسطيني، وتقويض فرص إقامة دولة فلسطينية.
إن تشكيل حكومة متطرفة بهذا الشكل الذي جاءت عليه حكومة نتنياهو من خلال صعود اليمين الديني المتطرف والأحزاب الصهيونية صاحبة الأفكار الإجرامية، وتوزيع الحقائب الوزارية في حكومة الاحتلال على أشخاص أدينوا بجرائم خطيرة هو انعكاس للرغبة في ترسيخ عقيدة التطرف للساسة في حكومة الاحتلال وترجمة هذه العقيدة في واقع الحياة اليومية ضد الفلسطينيين، لقد دللت منهجية نتنياهو وعصابة حكومته الجديدة من المتطرفين للعمل وفق أبعاد إستراتيجية عامة لتمتين القومية والهوية اليهودية والاستيلاء على الأراضي وشرعنة الاستيطان والسعي لفرض ضم الضفة الغربية، تلك الاستراتيجية دفعت الأحزاب الصهيونية لتبني قوانين عنصرية وطرح مشاريع قوانين خطيرة في تسابق لإرضاء ناخبيهم والامتثال للرأي الصهيوني المتطرف الذي يتبنى نهج إنهاء الوجود الفلسطيني على الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل وفرض وقائع جديدة، وضرب أي محاولة للنهوض بالحق الفلسطيني عمليًا، وذلك من خلال تسريع وتيرة تبدل النخب نحو اليمين المتطرف لتسهيل تمرير التصويت داخل الكنيست على رزمة خطيرة من الأنظمة والقوانين المخالفة لمنظومة حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ورغبات المجتمع الدولي، من هذه القوانين واللوائح ما تم إقرارها نهائيا كحظر رفع العلم الفلسطيني، ومنها ما دخلت فعلياً في مراحل التشريع، ومنها قوانين أقرت بالقراءة الأولى، ويجري إعدادها للقراءة النهائية كقانون إلغاء المواطنة لكل من أُدين بعمل ضد الاحتلال وتلقى دعما ماليا، وقوانين أقرت بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ)، وعشرات القوانين مدرجة على جدول أعمال الكنيست في انتظار أن يتم التصديق عليها كقانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، كما جاءت جل هذه الأنظمة والقوانين ومحاولات التشريع مرتكزة على مبدأ المحتل لضرب صمود وثبات الفلسطينيين ونضالهم الوطني، إضافة إلى مزيد من السيطرة على الأرض وفرض السيطرة الإسرائيلية.
إن محاولات استصدار مثل هذه القوانين المتطرفة ليست وليدة اللحظة فدولة الاحتلال منذ النكبة عام1948م قامت بالعمل وفق منهجية متبعة لتكريس العنصرية والعمل على استكمال المشروع الاستعماري وأصبحت حكومة (إسرائيل) اليوم تجد الأدوات المطلوبة لتسهيل تنفيذ مخططها وذلك من خلال التحولات البيئية والإقليمية والتقارب مع بعض الدول العربية تحت مسمى تطبيع العلاقات من جهة، وضعف استثمار السلطة الفلسطينية لعضويتها في الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية بهدف إنهاء الاحتلال وردعه عن مواصلة انتهاكاته لحقوق الإنسان والقانون الدولي من جهة أخرى، إضافة لعدم وجود موقف دولي ضاغط على (إسرائيل) من جهة ثالثة من إحجام وعدم قدرة المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات رادعة للسياسة الإسرائيلية، بل والمتواطئ معها أحيانا.
ختاماً إن الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده هو أمام استحقاق ومعركة وجود حقيقية لذا يجب على الفلسطينيين توحيد الصف ورأب كل الخلافات وتسخير كل الإمكانات في مواجهة هذه الحكومة وما تحمله من سياسات عنصرية متطرفة تهدف لفرض أمر واقع يحول دون قدرة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة.