فضلًا عما أحدثته زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لدولة الاحتلال من ردود فعل متباينة داخلها، بين مرحب ومتحفظ ورافض، لاسيما عند حديثه مع مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، لكن تعليقاته اللاذعة للخطوات التي باتت تنتهجها حكومة اليمين في الداخل الإسرائيلي حازت على اهتمام لا بأس به، وإن لم يكن واضحا جدا.
مع العلم أن انتقادات بلينكن الضمنية لأداء حكومة الاحتلال الداخلي منسجمة مع ما تشهده الولايات المتحدة من مؤشرات أمريكية داخلية رافضة لجملة المراسيم والإجراءات التمييزية والمحظورات التي تهدد الحكومة الجديدة بفرضها، ويشير بترجمته العملية إلى أن اليمين المتطرف في الحكومة لا يبدو ساعيا للحصول على استرضاء الولايات المتحدة التي لم تتوانى مبكرا في رفض التعيينات الوزارية المثيرة للجدل، لاسيما الخاصة بالوزراء الإشكاليين مثل إيتمار بن غفير وبيتسلئيل سموتريتش.
بلينكن وطواقم مساعديه لم يخفوا خلال مباحثاتهم في الأيام الأخيرة مع النخبة السياسية الإسرائيلية أنه يشعرون بالصدمة والقلق من التعيينات والخطط والبيانات الصادرة عن الحكومة الجديدة، ورغم أنها ما زالت تتخذ خطواتها الأولى، لكن سيل القرارات العنصرية ما زالت تصدر تلقائيًا، وكأنها تستخدم كلّ سلطة لتحقيق المزيد مما تعتبره تحولات في صورة الدولة ومستقبلها وفقا لأجندتها اليمينية الفاشية.
كثيرة هي الأفكار التي تراود الأمريكان المعارضين لتوجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لكن أهمها تمثلت في مخاطبة الرئيس جو بايدن للتدخل شخصيًا في منعها، وآخرون يقترحون استغلال موضوع التمويل الأمريكي للضغط على (إسرائيل)، وهي مقترحات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن إدارة بايدن دفعت بقوة، وحتى اللحظات الأخيرة، لفوز المعسكر الذي يقوده رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لابيد، وبالتالي لم ينزل تشكيل الحكومة اليمينية الجديدة في (تل أبيب) بردًا وسلامًا عليها.
كتب الإسرائيليون كثيرًا عن حالة الإحباط التي سادت البيت الأبيض فور الإعلان عن تشكيل حكومة اليمين، لما يعني ذلك من استشراف أمريكي بتوتر سياسي مباشر معها، وبالفعل فقد بدأ التوتر الأمريكي الإسرائيلي فعليًا بإرسال رسائل تلميحية وتصريحية، بدأت بالرجل الأول بايدن ووزير خارجيته بلينكن ومستشاره للأمن القومي سوليفان، وصولًا لكُتّاب الأعمدة اليومية الكبار، لا سيّما توماس فريدمان الذي عنون مقاله بعد فوز نتنياهو على الفور بعبارة "(إسرائيل) التي نعرفها فقدناها".
كل ذلك ترك أجواء غاضبة في أوساط اليمين، الذي عدّه تدخلًا أمريكيًا فظًا وسافرًا، صحيح أن التوتر الأساسي بين واشنطن و(تل أبيب) يتركز في الموضوع الفلسطيني، لكن ما صدر من اتفاقات ائتلافية بين الليكود وشركائه، دفعها للحديث علانية أنها قد لا تتمكن من الالتقاء مع بعض وزراء هذه الحكومة، مما يعني مقاطعة جزئية لها، ولعل هذا إجراء أمريكي غير مسبوق بعلاقاتها مع حليفتها الأولى في المنطقة.