كان متوقعًا أمام العجز الإسرائيلي والإخفاق الأمني والاستخباري بعد عملية بيت حنينا بالقدس المحتلة، أن تلجأ حكومة الاحتلال إلى البحث في جعبتها الفارغة عن سلة جديدة من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين عمومًا، وعائلات وأقارب الشهيد خيري علقم، الذي أذاق الاحتلال علقماً لم يشعروا بمرارته منذ عمليات انتفاضة الأقصى الاستشهادية قبل عقدين من الزمن.
لم يكن خافيًا على أحد أن عملية بيت حنينا أحدثت هزة كبيرة في الأوساط الإسرائيلية، وسط صدور دعوات متطرفة تطالب بالانتقام من منفذي العمليات المسلحة، التي تأبى التوقف ضد أهداف إسرائيلية، وانتقادات موجهة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي حدث مع افتتاح ولايته السادسة هجوم فدائي زاد عليه من الأعباء الداخلية والخارجية، التي ما فتئ يواجهها منذ تسلمه مهامه قبل أسابيع معدودة فقط.
في الوقت ذاته، بدا واضحًا أن هناك اقتراحات ناقشها الوزراء في اجتماع الكابينت الأمني، لمواجهة استمرار الهجمات المسلحة التي ينفذها المقاومون الفلسطينيون، وتتسبب بمقتل عدد كبير من الجنود والمستوطنين منذ قرابة عام كامل، ومن ذلك ما اقترحه عدد من أعضاء الكنيست من حزب الليكود بإعادة طرح اقتراح بطرد عائلات المنفذين خارج الضفة الغربية، وأخرى تطالب بسنّ عقوبة الإعدام على منفذي العمليات الذين يبقون على قيد الحياة.
يزعم الاحتلال أن عقوبة الطرد والإبعاد تعد فعالة ومؤثرة ضد العائلات الفلسطينية، وفق تقدير أجهزة الأمن الإسرائيلية، وبدلًا من الانشغال بعقوبة الإعدام للمهاجمين، وإمكانية استنفادها من الإسرائيليين وقتًا وجهدًا كبيرين، وعدم وجود يقين بإقرارها، يعد الطرد الوسيلة الأكثر فعالية، على الرغم من أن خبراء الأمن الإسرائيليين نفوا صحة هذه الفرضيات والمزاعم.
لكن الجديد أن أمامنا حكومة يمينية فاشية مجنونة، قد تقوم بتكرار عقوبات فرضت سابقًا، على الرغم من عدم ثقتها بجدواها، لكن حالة الهستيريا التي تواجهها، والفشل الأمني المبكر قد يدفعها لتجريب المجرّب، وهي واثقة أن عقوباتها هذه لن توقف سيل المقاومة المتدفق، ولن يوقفه سوى إنهاء الاحتلال، مرة واحدة وإلى الأبد.
في الوقت ذاته، هناك خطوة أخرى يمكن لحكومة الاحتلال أن تقوم بها، تتعلق بتقليص الأموال الموجهة للسلطة الفلسطينية، بزعم أنها ترسلها إلى منفذي الهجمات المسلحة وعائلاتهم، والادعاء أنها تنفق 350 مليون دولار سنويًا لمنفذي الهجمات، بما يعادل 10 بالمئة من موازنتها العامة، بحسب المزاعم الإسرائيلية.
هناك ملاحظة واضحة لا تخطئها العين، تتعلق بغياب اقتراحات سابقة كان يطرحها وزراء اليوم الذين كانوا في المعارضة بالأمس، من حيث الدعوة إلى اغتيالات قادة المقاومة، ربما لعدم رغبتهم في صبّ مزيد من الزيت على نار التصعيد القائم، وتقديرهم الذي يصلهم عبر الأجهزة الأمنية أن هذه الوسيلة لن تسهم في وقف العمليات الفدائية، فضلًا عن تصعيدها ومفاقمتها، وعليه مزيد من الإخفاقات الأمنية والاستخبارية.