فلسطين أون لاين

تبرز مع تغول الاحتلال على دماء الأبرياء

تقرير وقف التنسيق الأمني.. مناورة السلطة المتكررة لتخدير الثائرين

...
صورة أرشيفية
غزة/ أدهم الشريف:

في كل مرة يُوغل فيها الاحتلال الإسرائيلي في دماء المواطنين، ولا سيما في الضفة الغربية المحتلة، تلجأ السلطة إلى إعلان نيتها وقف التنسيق الأمني معه، كما حدث بعد ارتقاء 10 شهداء في جنين أول من أمس.

وفي حقيقة الأمر أن السلطة أعلنت نيتها وقف التنسيق الأمني العديد من المرات منذ توقيع اتفاق "أوسلو" المشؤوم عام 1993، لكن على أرض الواقع لم تفعل ذلك، على اعتبار أنه سبب قبول الاحتلال ببقائها سلطة أمر واقع، كما يرى مراقبون.

وبحسب قولهم، فإن التنسيق الأمني موجود ضمن التزامات السلطة باتفاق "أوسلو"، وأن تكرار الإعلان عن وقفه يعد دليلًا كاملًا على استمرار العمل به ضد المقاومة، تحت بند ما يسمى بـ"محاربة الإرهاب" وفق مزاعم السلطة والاحتلال.

ولا يقتصر موقف إدانة التنسيق الأمني ورفضه على المستوى السياسي والفصائلي والشعبي، بل على المستوى الحقوقي الدولي أيضًا، إذ كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان قد طالبت السلطة بـ"وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، التي تساهم في تسهيل التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة".

اقرأ أيضاً: العاروري يثمن قرار "فتح" وقف التنسيق الأمني ويطالب بتطبيقه

وجاء في بيان للمنظمة في يونيو/ حزيران 2022 أنه "بينما ينفذ جيش الاحتلال غالبًا الاعتقالات بنفسه بصفته احتلالًا إلا أنه ينسّق أمنيًا بشكل وثيق مع قوات السلطة، وقد ظل هذا التنسيق الأمني ثابتًا بشكل كبير بغض النظر عن مستوى الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال على الأرض".

وكان رئيس السلطة محمود عباس قد وصف التنسيق الأمني، في تصريح صحفي في مايو/ أيار 2014، بأنه "مقدس"، وقال: إنه "سيستمر سواء اختلفنا في السياسة أو اتفقنا"، في تناقض واضح مع المزاعم المتكررة بإيقافه.

وفي مارس/ آذار 2015، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير وقف العمل بالتنسيق الأمني، وكلف حينها اللجنة التنفيذية للمنظمة بمتابعة الأمر، ردًا على تنكر الاحتلال الكامل للاتفاقيات المبرمة معه.

"دون رجعة"

وكان عضو المجلس الوطني خالد مسمار، أعلن في أغسطس/ آب 2020 أن قرار وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال مستمر دون رجعة، مع مضي الاحتلال قدمًا بتنفيذ مخطط الضم والاستيلاء لنحو 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

وفي مايو/ أيار 2020 لوح عباس مجددًا بوقف التنسيق الأمني، الأمر الذي عده المستويان الأمني والسياسي في كيان الاحتلال "مجرد تصريحات بيانية فقط"، وفق ما ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية.

وفي فبراير/ شباط 2020، عد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني وقف التنسيق الأمني الذي هدد به عباس مجددًا عقب إعلان رئيس الإدارة الأمريكية السابقة دونالد ترامب ما تسمى بـ"صفقة القرن" التصفوية أنه "يبدو مستحيلًا بالنسبة للسلطة".

وفي فبراير/ شباط 2022، قرر المجلس المركزي للمنظمة تعليق الاعتراف بكيان الاحتلال، وإنهاء التزامات السلطة بالاتفاقيات معه إلى حين اعترافه بدولة فلسطينية، كما قرر "وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة" حسبما جاء حينها على لسان عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عزام الأحمد.

وبعد كل هذه التعهدات التي قطعتها السلطة على نفسها، جاء عباس ونسفها جميعها بتعهده مجددًا في سبتمبر/ أيلول 2022، عبر خطاب في الأمم المتحدة بـ"محاربة الإرهاب معًا"، الأمر الذي عدَّهُ مراقبون اتهامًا مباشرًا للمقاومة، وتتجلى نتائجه على الأرض، ولا سيما في الضفة الغربية، إذ تعتقل أجهزة الأمن المقاومين وتزج بهم في سجونها.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة د. مخيمر أبو سعدة: إن وقف التنسيق الأمني يجب أن يكون قرارًا إستراتيجيا لا رجعة فيه، وعدم وقفة مؤقتًا، خاصة أن اتفاق "أوسلو" لم يتبقَ منه سوى هذا التنسيق بعد تنصل الاحتلال من التزاماته بحقوق الشعب الفلسطيني.

ولفت أبو سعدة في حديث لصحيفة "فلسطين" إلى أن السلطة تعتقد بتلويحها بوقف التنسيق الأمني أنها تمارس ضغوطات على حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو.

وشدد على ضرورة تنفيذ قرارات المجلس المركزي وخاصة إنهاء الاعتراف بكيان الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني معه، مضيفًا: لا يعقل أن تستمر العلاقة بين السلطة والاحتلال في الوقت الذي يمارس فيه الأخير القتل والتهويد والاستيلاء والهدم وغيرها من الانتهاكات.

اقرأ أيضاً: عطون يطالب السلطة بوقف التنسيق الأمني وتجريم الاحتلال وتعريته دوليًا

وأشار إلى ضغوطات أمريكية وأوروبية وإقليمية تتعرض لها السلطة لمواصلة علاقاتها مع الاحتلال.

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق أن السلطة تتخذ من إعلان وقف التنسيق الأمني وسيلة لتهدئة غضب الشارع وتخدير الجيل الثائر، بدلالة تعهدها عدة مرات بوقفه لكنها تواصل العمل به على أرض الواقع.

وأضاف صادق لـ"فلسطين" أن التنسيق الأمني لم يعد ورقة بيد السلطة ورئيسها، بل بيد الاحتلال الذي لديه تنسيق فردي يعتمد عليه بالتعاون مع ضباط وأشخاص متنفذين في السلطة، وتربطهم مصالح مع مسؤولين إسرائيليين.

"لذلك فإن وقف التنسيق ليس بيد عباس أو حكومة رام الله برئاسة اشتية، بل يرتبط بأشخاص من ضباط وعناصر أجهزة الأمن ينسقون مع الاحتلال، بعيدًا عن السلطة وعن أي وصاية من الحكومة"، كما يقول صادق.

وعدَّ إعلان السلطة نيتها وقف التنسيق الأمني بعد مجزرة جنين أول من أمس، لن يخرج عن كونه مجرد مناورة، نظرًا لعدم امتلاك السلطة أوراق ضغط ممكن أن تستخدمها في وجه الاحتلال.