تعد الأزمة الدستورية والقانونية السائدة لدى دولة الاحتلال مناسبة لاستعراض جذورها الأساسية المتعلقة بالاتفاقات الائتلافية، التي سجلت فيها حكومة نتنياهو السادسة رقمًا قياسيًا، فقد احتوت وفقًا للمصادر الحكومية على 30 صفحة، ومائتي بند، بكلفة تصل إلى مليارات الشواقل، بعد أن جاءت بنود حكومة بن غوريون الأولى في صفحة واحدة فقط!
صحيح أن هذه الاتفاقات تعد إطاراً لاتفاق سياسي بين شركاء الائتلاف الفاشي، لكن عند أول اختبار تطبيقي لها حين يتعلق بـ"الانقلاب القضائي"، جعلت منها إجراءات غير قانونية، وربما يضع شرعية الحكومة برمتها في مهب الريح، مع العلم أن أطراف هذه الاتفاقات تدرك أنها لا تسمح بتحقيق جميع طموحاتها السياسية، على الرغم من أنها دأبت مبكرًا على التلويح أمام نتنياهو الذي يبدو "ضعيفًا" على غير عادته هذه المرة، بما تسميه سلاح "يوم القيامة"، وهو حلّ الحكومة، والدخول في سيناريو الفوضى المتوقع، عبر الذهاب إلى انتخابات مبكرة سادسة في غضون أقل من أربع سنوات.
ليس سرًّا أن شركاء الائتلاف الحالي تعمّدوا إضافة العديد من التفاصيل الفنية في بنود الاتفاقات، لسبب أساسي يتمثل في عدم الثقة السائد بين مكونات التحالف، على الرغم من أننا أمام شركاء يتراوحون بين اليمين الفاشي والديني والقومي، مما يطرح علامات استفهام حول طبيعة خلافاتهم التفصيلية، حتى أننا بتنا نفتقد في الحكومة الحالية لمفردة الحزب الحاكم، لأنه عمليًا لا يستطيع أن ينفرد بتشكيل الحكومة وحده، على الرغم من أنه يحوز على أكبر عدد من أعضاء الكنيست، وباتت القناعة السائدة بين الإسرائيليين أن من يملك مفتاح استقرار أو حلّ الحكومة، ليس نتنياهو، بل بن غفير، وسموتريتش، اللذان لا يخفيان ابتزازه، والضغط عليه!
بدا لافتًا في الاتفاقيات الائتلافية غياب تعزيز علاقات الاحتلال الخارجية، وكأنها قضية تافهة وغير مهمة، مع أنها ركن أساسي من أركان بقائه في المنطقة، ويستفيد منها في شتى المجالات، فضلًا عن أن هذا الائتلاف شكل ميلاده المشوّه نذيرًا بتوتر إسرائيلي مع العديد من دول العالم، وعلى رأسها حلفاؤه الغربيين، بمن فيهم الراعي الأمريكي الأكبر له.
المفارقة أن حديث الائتلاف الحكومي في اتفاقاته الثنائية، ركز تركيزًا مثيرًا على الاهتمام بتعميق العلاقات مع دول اتفاقيات التطبيع، بزعم إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، دون أن يشمل ذلك فتح أفق سياسي مع الفلسطينيين، أصحاب الموضوع برمّته، باستثناء تفعيل عقوبة الإعدام للمقاومين، وتحويل حرس الحدود ميليشيات مسلحة، وتفعيل جهاز الأمن العام- الشاباك في إطار الاستعدادات لمواجهة هبة كرامة جديد من فلسطينيي48، فضلًا عن تكثيف عمليات اقتلاع أشجار الزيتون في المنطقة "ج" من الضفة الغربية، ودعم الاستيطان اليهودي في الخليل، وصولًا إلى تفجير الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.