الرهان على انقسام مجتمع دولة الاحتلال في إضعاف الأخيرة وفي تراجع الدعم الخارجي لها ماديًّا ومعنويًّا، رهان خاسر من يراهن عليه لا يعرف تاريخ (إسرائيل) التي ولدت من رحم الانقسام أيضًا.
فمنذ بواكير الحديث بشأن الوجود اليهودي الاستيطاني في فلسطين كان هناك انقسام حول أين تقام (إسرائيل)؟ هل فلسطين المكان المناسب أم أماكن أخرى اقترحت لهذه الغاية؟
وواصل الانقسام حتى بعد قيام دولة الاحتلال، إذ شهدت هذه الدولة الطارئة انقسامًا بين الأشكيناز (اليهود الغربيين) والسفرديم (اليهود الشرقيين)، وكان هناك انقسام بين العلمانيين والمتدينين، وانقسام بين الأغنياء والفقراء، وانقسام بين "يهود الخارج ويهود الداخل".
وعدة انقسامات أخرى، لكنها جميعًا لم تكن لتحدث انهيارًا في هذه الدولة الاستعمارية التوسعية، فهي تتحد دائمًا أمام أي خطر خارجي وتنسى انقساماتها حين تجد نفسها مثلًا في مواجهة عسكرية مع العرب، أو أمام انتفاضة فلسطينية كبرى مثل الانتفاضة الأولى والثانية، أو في حروبها الوحشية والمتوحشة ضد قطاع غزة.
الانقسام الحالي يبدو حادًّا أكثر من غيره، وتميزه عن غيره في أن من يقرر في حكومة الاحتلال هم ممثلو الاستيطان واليهود المتدينون المتشددون (الحريديم) الذي أصبحوا جزءًا أساسيًا من حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة في الأساس، التي زاد منسوب وكثافة التطرف والعنصرية فيها إلى حدود أثارت مخاوف حلفاء دولة الاحتلال أنفسهم، وأيضًا شكوك يهود الخارج، الذين هم في غالبيتهم ليبراليون وعلمانيون.
الانقسام الحالي سيضيف بعدًا جديدًا، في سلسلة انقسامات المجتمع الإسرائيلي، بين الليبراليين العلمانيين وبين المتدينين الأصوليين الذين يريدون تطبيق الشريعة اليهودية في جميع أنحاء دولة الاحتلال.
هذا الانقسام سيتعاطى معه العالم مع الوقت بوصفه جزءًا من المجتمع اليهودي، والأخطر أن المطبعين العرب يواصلون تطبيعهم المستفز والمثير للغثيان مع العدو وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن هذه الحكومة لم يدنس أحد وزرائها المسجد الأقصى قبل أيام قليلة، ويستفز مشاعر مليار ونصف المليار مسلم.
هذه الحكومة تستمد قوتها من ضعف العرب، ومن التطبيع الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة من الوقاحة التي تتجاهل وجود الشعب العربي الفلسطيني من الأساس.
الانقسام سيمر بفضل مطبع عربي يصر على طعن الفلسطيني، وعلى التنكر لوجوده.