شكل سماح السلطة في رام الله لموظفي الصحة والتعليم المحالين للتقاعد بغزة للاستمرار في أداء أعمالهم الحكومية أول من أمس، لغزًا غير مفهوم بالنسبة إلى هؤلاء الموظفين، إذ إن السلطة لم توضح آلية تعاملها ماليًا معهم، ووضعهم الوظيفي إن كانوا سيبقون متقاعدين أم لا، كذلك لم توضح نسبة راتبهم، الأمر الذي جعل الكثيرين يتساءلون إن كان قرار السلطة يعبر عن مرونة في التعامل مع غزة، أم جاء نتيجة ضغوط سياسية عربية وإقليمية تتعرض لها السلطة؟
قرار غير واضح
وتوقع مسؤولون تحدثوا لصحيفة "فلسطين" أن يؤدي عدم وضوح القرار لإحداث فوضى وإرباك في العملية التعليمية، معتبرين أن القرار هو محاولة التفاف من قبل السلطة على الضغوط التي تتعرض لها في هذا الإطار.
وكان رئيس هيئة التقاعد في السلطة ماجد الحلو أعلن في 8 أغسطس الجاري إحالة أكثر من 7 آلاف موظف مدني في غزة للتقاعد المبكر معظمهم من قطاعي الصحة والتعليم.
وأكد نقيب موظفي السلطة العموميين بغزة عارف أبو جراد، أنه لم يغادر أي موظف مدني في قطاعي الصحة والتعليم مكان عمله كي يعود إليه من جديد، مطالبًا مجلس وزراء حكومة الحمد الله بتوضيح قرار السماح لموظفي التعليم والصحة الذين يتقاضون رواتبهم من السلطة بالاستمرار بأعمالهم، حول إن كانوا سيبقون متقاعدين رسميا، أو أن العمل سيكون اختياريا مجانيا، أو أن تتولى الجهات الحكومية بغزة تغطية باقي رواتبهم.
كما طالب أبو جراد في حديثه لصحيفة "فلسطين" مجلس الوزراء بتوضيح إن كان سيعيد رواتب موظفي الصحة والتعليم، بعد أن استلموا رواتب تقاعدية عن شهرين سابقين، أو أنه سيلغي قانون التقاعد المبكر من عدمه.
وأشار نقيب موظفي السلطة إلى أنه لم يبلغ أي موظف مدني بإحالته للتقاعد، لافتا إلى وجود ضغوط كبيرة محلية ودولية على السلطة لإلغاء قانون التقاعد باعتباره غير قانوني.
وجدد رفض نقابته التعامل مع القانون، منوها إلى أن النقابة بعثت رسائل لجامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية والاتحاد الأوروبي، وكافة المؤسسات المعنية والقيادات السياسية بغزة والضفة للوقوف ضد قانون التقاعد الذي وصفه بـ"المجحف".
مخالف للقانون
الباحث بوحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان د.فضل المزيني، أكد أنه لا يجوز للسلطة إحالة موظفين على رأس عملهم للتقاعد دون بلوغ السن القانوني لذلك، باعتبار أن ذلك غير إنساني ويتعارض مع العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإنسانية الذي انضمت إليه السلطة.
وقال المزيني لصحيفة "فلسطين": "يجب على السلطة أن تتراجع عن كل الإجراءات العقابية ضد غزة، ولا سيما موضوع إحالة الموظفين للتقاعد، وخصم نسبة 30-50% من رواتب موظفيها بغزة".
وتابع: "إن قرار السلطة باستمرار عمل موظفي الصحة والتعليم غير واضح، إذ إنها لم تعلن عن إلغاء التقاعد بحقهم"، معتبرًا أن السلطة تتخبط في ذلك، إذ إن إحالة الموظفين للتقاعد تمت دون الاستناد لمسوغات قانونية تنص بوضوح على شروط الإحالة للتقاعد، فلم تلتزم السلطة بها، ولا بالالتزامات المالية المخصصة للمتقاعدين، فهي غير واضحة في ذلك.
ولفت المزيني النظر إلى أن السلطة لم توضح كذلك الآلية التي ستتعامل معها مع المتقاعدين، حول إن كان الراتب بنسبة 70% هو من الراتب الإجمالي أو الأساسي أم من الراتب بعد الخصم.
وحول إن كانت إجراءات السلطة قد يفقدها عضويتها بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي انضمت إليها، أشار إلى أن هناك دولًا تنادي باتخاذ تلك الخطوة ضد الدول الأعضاء بالعهد وتخالف نصوصه، إلا أنه لا يمكن مقاضاة السلطة في العهد الدولي الحالي، نظرًا لحداثة انضمامها للعهد، الذي يمنحها عدة سنوات كي تلتزم بنصوصه.
ومع ذلك يعتبر المزيني عدم التزام السلطة بالاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان مؤشرا سلبيا على أدائها، ومن المفترض أن تقدم صورة إيجابية عن اهتمامها والتزامها بالاتفاقيات.
التفاف على الضغوط
فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، أن السلطة أدركت أن كافة الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها ضد القطاع، لم تدفع بالجمهور الفلسطيني بالثورة على حماس، خاصة بعد فتح الباب التركي أمامها في ظل الحديث عن جهود تركية لتحريك عجلة المصالحة، الأمر الذي دفعها لإصدار قرار غير واضح يسمح لموظفي الشق المدني بالاستمرار في أعمالهم.
وتوقع حبيب في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن يتسبب قرار السلطة، دون توضيح وضعهم الوظيفي إن كانوا سيبقون متقاعدين أم لا، بمزيد من الفوضى والإرباك للعملية التعليمية خاصة مع بدء العام الدراسي الجديد، مرجعًا عدم الوضوح إلى منح السلطة نفسها فرصة للعدول عن القرار في أي وقت، أو تفسير قرارها بالطريقة التي تريدها.
وتريد السلطة، حسب المحلل ذاته، بالقرار، الالتفاف على كل الضغوط العربية والإقليمية التي وجدت فيه قرارًا انتقاميًا يزيد السخط الشعبي عليها، إذ وجد القرار صدى سلبيا ما دفعها لإصدار قرار السماح لموظفي الشق المدني بقطاعي الصحة والتعليم بالاستمرار بأعمالهم.