فلسطين أون لاين

تقرير في "خربة" يانون.. الكل حبيسُ البيوت ما عدا المستوطنين

...
نابلس-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

"حتى الماشية سجينة في خربة يانون، فهي محرومة من المراعي الخضراء الشاسعة التي كانت يومًا ملكًا لأبناء الخربة، أما اليوم فهي مزروعة بالاستيطان الإسرائيلي، وجنود الاحتلال المتأهبين لإطلاق النار على أي فلسطيني إذا ما اعتقدوا أنه يقترب من البؤر الاستيطانية التي تلف الخربة"، تصف الطالبة روان مرار الحالة التي تعيشها الخربة منذ سنوات طويلة.

عائلة روان واحدة من ست عائلات فلسطينية فقط تسكن الخربة الواقعة جنوب مدينة نابلس، وتواجه مخرز الاحتلال والاستيطان بمفردها، فلا شيء سهل هناك، إذ تفتقد المنطقة جوهر معنى الحياة بدءًا من الحصول على المياه وليس انتهاء باعتداءات المستوطنين.

تقول روان إن التعليم في الخربة أصبح ضربًا من المعاناة، وهي تنتظر بفارغ الصبر الحصول على شهادتها الجامعية لتنهي مشوارًا طويلًا من التعب لازمها منذ المرحلة الإعدادية.

فالطريق الشاق الذي كانت تسلكه في مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية للوصول إلى قرية عقربا المجاورة بات اليوم أكثر طولًا ومشقة، إذ تدرس في جامعة القدس المفتوحة في نابلس، فتتجشم عناء التنقل كل يوم من "عقربا" ومن ثم إلى نابلس، ما يستغرق منها وقتًا وجهدًا كبيرين.

وتبين مرار أن أشد ما يخشاه طلبة المدارس والجامعات، هو استفزازات المستوطنين الذين يقطعون عليهم الطريق، بحماية من جيش الاحتلال، "فنخشى النزول من الباصات حتى لا يعتدوا علينا".

وفي كثيرٍ من الأحيان يفاجأ الطلبة بحواجز طيارة مفاجئة لجيش الاحتلال ويخضعون لتفتيش يؤخرهم عن جامعاتهم وأحيانًا كثيرة يمنع وصولهم بتاتًا، خاصة عند وجود مواجهات بين الاحتلال والمواطنين.

ويلجأ بعض الطلبة، كما توضح مرار، إلى استئجار شقق في نابلس للبقاء بالقرب من جامعاتهم، لكن الأمر مكلفٌ جدًّا، وفي الوقت نفسه المواصلات اليومية لا تقل كلفة إذ "أحتاج يوميًّا إلى 60 شيقلًا للوصول إلى الجامعة، لذلك أصارع الوقت للتخرج والانتهاء من هذه الرحلة المريرة المتعبة نفسيًّا وماديًّا، فأهالينا طوال الوقت على الهاتف معنا، يتأكدون من وصولنا إلى الجامعة وعودتنا منها، يخشون علينا من اعتداءات الاحتلال".

فالحياة في الخربة ليست بالسهلة أبدًا، كما يبين المواطن راشد مرار، فهي محاطة بخمس بؤر استيطانية، ويمنع الاحتلال أي مواطن من التحرك على مسافة أكثر من عشرة أمتار من آخر بيت في الخربة، وإلا فإنه سيكون هدفًا للاعتقال أو القتل.

ويستدرك بالقول: "حتى أراضينا المزروعة بالزيتون لا نستطيع الوصول إليها إلا بتنسيق مسبق، كنا بلدًا يعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية واليوم سلبنا الاستيطان 85% من مساحة القرية فلم يتبقَّ زراعة ولا مراعٍ، وما تبقى من أراضٍ نزرعها بالقمح والشعير فيطلق المستوطنون أغنامهم عليها فتلتهم مزروعاتنا".

ويلفت إلى أن الأيام التي تسمح سلطات الاحتلال فيها للأهالي بالوصول إلى أراضيهم في موسم الزيتون، "معدودة ولا تكفي للحراثة أو جمع المحصول".

ويضيف مرار: "لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهذا الموسم منعوني من الوصول إلى جزءٍ من أرضي، وإذ بالمستوطنين يجمعون ثمار الزيتون من خمسين شجرة فيها".

انعدام الأمان

كما لا توجد حياة آمنة في الخربة، ففتيان المستوطنين يحملون السلاح وينزلون لبيوت الخربة يستفزون المواطنين ويهددونهم بإطلاق النار عليهم بحماية من جيش الاحتلال، "هذا إضافة لصعوبات التنقل من وإلى القرية بسبب الحواجز الطيارة التي يقيمها مستوطنون يرتدون لباس الجيش ويفتشون السيارات ويعوقون طريق المواطنين".

وتهدف تلك الإجراءات لتهجير ما تبقى من مواطنين في خربة يانون المنصفة ضمن الأراضي الواقعة في المنطقة (ج)، "لا يسمح للعائلات التي تسكنها بالبناء وهذا يعني أنه لا يمكن لأي شاب الزواج داخل الخربة، كما نمنع من الحركة في المساحات المفتوحة بما في ذلك الأغنام المحبوسة في حظائر، في حين أن المستوطنين وأغنامهم طلقاء فهم يجولون ويصولون في الربيع ونحن محبوسون".

وتزداد معاناة المزارعين في يانون في فصل الشتاء من جراء إطلاق المستوطنين الخنازير البرية نحو الأراضي المزروعة، وحرق المحاصيل، وقطع الأشجار، وتجريف الأراضي.

كذلك يُعاني سكان "يانون" بسبب أبقار المستوطنات التي تجتاح الخربة، وتعيث فسادًا في الأرض، إذ تأكل كل ما تجده في طريقها، وتهاجم بيوت الفلسطينيين، ما يؤدي لإفساد المواسم.

ويلفت إلى أن عدد سكان الخربة بلغ قبل اندلاع انتفاضة الأقصى نحو 365 مواطنًا، أما اليوم فيصل عدد أهلها إلى 36 مواطنًا من جراء مضايقات الاحتلال ومستوطنيه والاستيلاء على المزيد من الأراضي.

الاستدلال على الحياة في الخربة بالكاد يتعرف إليها المار بأراضي يانون من طلبة المدرسة التي يدرس فيها الأطفال من الصف الأول حتى السادس وهي عبارة عن شقة سكنية مساحتها 130 مترًا مربعًا استأجرها الأهالي من أحد الذين غادروا الخربة. 

ويشير مرار إلى أن المدرسة تضم 24 طالبًا وطالبة، 11 منهم من أبناء المدرسين الستة الذين يعملون فيها من قرى عقربا وبيتا ودوما.

أما الحالات المرضية فتعاني كثيرًا، كما يقول مرار، "فأصعب شيء أن تمرض ليلًا، فهذا يعني أنك قد تموت لأن قوات الاحتلال لن تسمح لسيارات الإسعاف بنقلك خارج القرية في الليل، يا ليتنا نملك إمكانية اختيار الوقت الذي نمرض فيه".