ليست وازنة تلك الدول التي صوتت ضد قرار يطالب محكمة العدل الدولية في لاهاي بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ فلسطينية، والتبعات القانونية للاحتلال، بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية، ووضع مدينة القدس.
نتيجة التصويت كذبت مزاعم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قال إنه أجرى محادثات مع زعماء العالم، الذين غيروا تصويتهم، زاعما أن الدول الداعمة للفلسطينيين والمؤيدة لهم، الأقلية". وربما للمرة الأولى تكون الدول الغربية وتحديدا أوروبا منقسمة بهذا الشكل في تعاملها مع قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية.
الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 عضوا تبنت القرار بـ87 صوتا واعتراض 26 وامتناع 53 عن التصويت، وسط انقسام الدول الغربية حول القضية، في حين صوتت الدول العربية لصالحه بالإجماع بما فيها تلك التي طبعت علاقاتها مع الاحتلال، أو الدول التي تقيم علاقات رسمية مع الاحتلال.
قرار الأمم المتحدة كان صفعة أولى في وجه نتنياهو الذي علق على قرار الأمم المتحدة، قائلا في بيان له: "القرار الحقير الذي اتخذ، لن يكون ملزما للحكومة الإسرائيلية"، زاعما أن "الجمهور اليهودي ليس محتلا لأرضه (فلسطين المحتلة) وليس محتلا في عاصمتنا الأبدية القدس، ولا يوجد قرار للأمم المتحدة يمكن أن يشوه تلك الحقيقة التاريخية" على حد قوله.
ولم يكن مفاجئا أن تقف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا وأستراليا وإيطاليا ضد القرار، ووقفت ضد القرار دول لا قيمة سياسية لها وغير مؤثرة إطلاقا في الساحة الدولية بينما كان أبرز الممتنعين عن التصويت فرنسا.
وسبق أن طلبت فلسطين التصويت على قرار مماثل، حين طلبت من محكمة العدل الدولية عام 2004 رأيا استشاريا بخصوص بناء الجدار العازل العنصري.
وفي تشرين الثاني الماضي، اعتمدت اللجنة الرابعة للجمعية العامة في الأمم المتحدة، الخاصة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار قرارا فلسطينيا "بطلب فتوى قانونية ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية، حول ماهية الاحتلال الإسرائيلي".
وفي كواليس القرار الأخير أجرى رئيس الاحتلال يتسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد ورئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو مكالمات هاتفية مع العديد من القادة في الأسابيع الأخيرة في محاولة لإقناع أكبر عدد ممكن من الدول بالتصويت ضد القرار. كما عملت الحكومة الأمريكية في هذا الاتجاه مع العديد من الدول.
والواقع أن عدد الدول المؤيدة للقرار كان سيرتفع إلى أكثر من ذلك قبل أن تذهب الأمم المتحدة في عطلة رأس السنة الجديدة، فقد تغيبت 27 دولة وكان من المفترض أن يدعم بعضها مشروع القرار وبسبب العام الجديد والأعياد، لم يأتِ ممثلو تلك البلدان للتصويت.
لكن صحيفة "يديعوت" زعمت أن جهود قادة إسرائيل لثني دول حول العالم عن التصويت أو التصويت ضد القرار آتت أكلها ولا سيما بالنسبة لدول إفريقيا.
وتوضح الصحيفة أنه إجمالا غيرت 12 دولة في القارة تصويتها فقد انتقلت كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الدعم إلى المعارضة؛ وتوغو من الامتناع عن التصويت إلى معارضة القرار؛ وانتقلت تشاد وبنين والرأس الأخضر وجزر القمر وغامبيا وغينيا والنيجر من الدعم إلى الغياب. وامتنعت ملاوي وتنزانيا اللتان تغيبتا عن التصويت السابق، هذه المرة عن التصويت".
كما تم تسجيل بعض الإنجازات من وجهة النظر الإسرائيلية في قارتي آسيا وأوروبا: انتقلت بريطانيا ورومانيا وكرواتيا وألبانيا من الامتناع عن التصويت إلى الرفض. وتحولت كازاخستان وأوزبكستان وأوكرانيا من دعم الفلسطينيين إلى الغياب.
في أوروبا صوتت ثماني دول لصالح الفلسطينيين: بولندا وتركيا وبلجيكا والبرتغال ولوكسمبورغ وسلوفينيا وأيرلندا ومالطا.
لكن الوضع في أمريكا اللاتينية لم يبشر لدولة الاحتلال بأي إيجابيات فقد صوتت الأرجنتين لصالح الاقتراح الفلسطيني، وكذلك فعلت كولومبيا التي كانت غائبة عن التصويت السابق. من ناحية أخرى، تحولت كوستاريكا من الامتناع إلى معارضة القرار، وامتنعت البرازيل وبنما وجمهورية الدومينيكان التي صوتت لصالح الاقتراح في التصويت السابق، هذه المرة عن التصويت.
قرار البرازيل بالامتناع عن التصويت اتخذ قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الجديد لولا دا سيلفا، الذي كان من المحتمل أن تصوت بلاده لصالح الفلسطينيين إذا تولى منصبه في اليوم السابق.
وفي خطوة استباقية حاول الاحتلال الليلة الماضية تقديم اقتراح مختلف كان الغرض منه منع التمويل المالي لمحكمة لاهاي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لكن هذا الاقتراح فشل، حيث صوتت 105 دولة لصالح تحويل التمويل إلى المحكمة. حتى الولايات المتحدة لم تدعم الاحتلال في هذا الأمر، وقد تم اتخاذ هذه الخطوة على أساس أنه في غياب التمويل لن تنظر المحكمة في القضية.
في جميع الأحوال يبدو أن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية باتت تواجه مشاكل في التصويت وأن هناك تآكلا في أعداد المصوتين لصالح القضية الفلسطينية، رغم أن الدول العربية والإسلامية بشكل عام لا تزال محافظة على مواقفها الداعمة للفلسطينيين.
والأمر يحتاج على جملة دبلوماسية خلف الكواليس لدعم أي قرر مساند لفلسطين والركون إلى المواقف التقليدية للدول لم يعد مطمئنا.