بعيدًا عن أي لباقة دبلوماسية، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد القديم بنيامين نتنياهو تصويت الأمم المتحدة لصالح الاقتراح الفلسطيني بطلب رأي من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن استمرار الاحتلال في الضفة الغربية، بأنه "حقير"، وهي لغة فضلًا عن كونها فجة وفظة، فهي تكشف عن حجم الضغط الذي شكله القرار الأممي على الاحتلال.
مع العلم أن هذا القرار الأممي جاء استكمالًا لإنجازات دبلوماسية فلسطينية لافتة في المنظمة الدولية في الآونة الأخيرة مقابل انتكاسات إسرائيلية لا تخطئها العين، وهي إخفاقات تعبّد الطريق نحو مزيد من التوتر في العلاقة الإسرائيلية الأممية، بحيث أخرجت نتنياهو عن طوره، وهو الذي يعتبر فضلا عن كونه رئيسا للحكومة، فهو وزير الخارجية الفعلي، الممسك بملف العلاقات الدولية، وينبغي أن يكون أكثر حذرا في تصريحاته ومفرداته.
في الوقت ذاته، ورغم أننا أمام رأي قانوني غير ملزم قد يصدر عن المحكمة الدولية، لكن حالة الغضب الإسرائيلية التي رافقت التصويت لصالحه تكشف عن جوانب أخرى من القرار ذات طابع سياسي بحت، تتعلق بتراجع صورة الاحتلال حول العالم، وانضمام الأخير للرواية الفلسطينية عن الصراع، واستكمالا لما صدر في 2004 من قرار مماثل حول جدار الفصل العنصري، وما حمله من تصنيف للاحتلال بأنه ينتهك القانون الدولي.
تصدر هنا جملة مواقف إسرائيلية حول العلاقة المرتقبة مع إجراءات المحكمة الدولية في لاهاي، مع ترجيح كفة الإعلان أنها لن تتعاون معها، ولن توافق على نتائجها، بزعم أن الموقف الرسمي الإسرائيلي يتلخص في أن أراضي الضفة الغربية والقدس ليست محتلة، بل متنازع عليها، أو كما ادعى نتنياهو ذاته أن "شعب إسرائيل ليس محتلاً لأرضه".
هذا الموقف المرجح لا يلغي فرضية أساسية مفادها أن القرار الأممي يكشف عن انتصار واضح للرواية الفلسطينية للصراع مع الاحتلال، لأنها تعكس الحقائق التاريخية، أمام الرواية الإسرائيلية الزائفة التي منيت بانتكاسات قانونية ودبلوماسية متلاحقة، رغم تزايد مطالباتها الأخيرة بفرض السيادة المزعومة على مناطق واسعة من الضفة الغربية مع إعلان الحكومة الجديدة، مدفوعة بروايات توراتية تلمودية متضاربة، لا تستقيم مع العقل السوي والوقائع التاريخية والجغرافية على الأرض.
إن صدور المزيد من القرارات الأممية في قادم الأيام، وإعلان المحكمة الدولية لفتواها القانونية بشأن الموقف من استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية، يعني توجيه ضربة في الصميم للمزاعم الإسرائيلية التي تواصل الادعاء بأحقيتها في هذه الأراضي لإقامة الدولة اليهودية، وظهور نجمة داود على علمها، ورمز الشمعدان، من خلال قوة احتلال غاشمة تواصل تلقي الضربات الخارجية، تحتاج مزيدا من العمل الفلسطيني الموحد لترجمة هذه الجهود القانونية إلى خطة عمل سياسية تحشر هذا الاحتلال في الزاوية التي يستحقها!