بعد أيام قليلة فقط على العاصفة التي أثارها الاحتلال ضد فيلم "فرحة" الأردني لأنه كشف جرائم حرب ومجازر ارتكبها جيشه في حرب النكبة عام 1948، فقد أثار ضجة أخرى هذه المرة ضد فيلم "جنين جنين" للمخرج الفلسطيني محمد بكري من الأراضي المحتلة سنة 48، بـ "تكريم" الجيش للمشاركين في شنّ حملة بحق الفيلم، وصولًا لإصدار المحكمة العليا في وقت سابق قرارًا بمنع عرضه نهائيًا في دولة الاحتلال.
كان لافتًا أن تنظم قيادة جيش الاحتلال حفلًا في مقرها "الكرياه" لما وصفته "تكريم" مَن شاركوا في حملة دعائية مضادة للفيلم المذكور، الذي كشف عن الجرائم التي ارتكبها الجيش في عملية السور الواقي في الضفة الغربية عامي 2002-2003، ما تسبب بضجة إسرائيلية واسعة النطاق، دفعت بالمحكمة العليا مباشرة لاتخاذ قرار في نوفمبر الماضي، بحظر عرض الفيلم في دولة الاحتلال، بزعم أنه يمثل تشهيرًا بجنود الجيش.
اقرأ أيضًا: ردًا على التحريض الإسرائيلي.. مخرجة فيلم "فرحة": محاولات إسكاتنا لن تنجح
اللافت أكثر أن الحفل شهد حضور رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، ونائبه أمير برعام، ورئيس شعبة المخابرات أهارون حاليفا، والمدعية العامة العسكرية يفعات يروشالمي، وعائلات الجنود القتلى في تلك العملية، وعدد ممن انخرطوا في الحملة الدعائية المضادة للفيلم، مع العلم أن كوخافي شارك في تلك العملية، وانخرط بعمليات قتل جماعية بحق الفلسطينيين.
عنصر الإزعاج الأساسي للاحتلال من الفيلم المذكور، الذي تبلغ مدته 52 دقيقة، أنه يوثق حرب الجيش في مخيم جنين بالضفة الغربية، ويتهمه بأنه "ازدرى" الجنود، برواية "كاذبة ومزورة" حاول تشويه سمعة من شارك منهم في معركة جنين الشهيرة، حتى أن قاضي المحكمة العليا رفض الاستئناف، وادَّعى أن الفيلم يتضمن أكاذيب تشهيرية لجنود الجيش، بالرغم من أن تقارير حقوقية دولية، وليست فلسطينية، أكدت أنهم ارتكبوا جرائم بشعة ودامية ضد المدنيين الفلسطينيين.
يُظهر "الاحتفال" الإسرائيلي بالقرار القضائي الذي جاء في 67 صفحة لتبرير حظر فيلم "جنين جنين" حجم ضيق الاحتلال من عمل سينمائي فني، ما يؤكد أن المنظومة القانونية الإسرائيلية مصابة بـ"هوس" محاربة حرية التعبير، والاستناد للدفاع عن جنود الاحتلال ونشاطاتهم العدوانية ضد الفلسطينيين.
مع العلم أن مشاهدة الفيلم تؤدي إلى استنتاج مفاده أن جيش الاحتلال ذبح الفلسطينيين في مخيم اللاجئين، ما يعني أن دعاوى التشهير ضده تحمل انتهاكًا للحق في حرية التعبير، وتمثل إشكالية من وجهة نظر قانونية، حتى أن عقوبة القاضي بحظر الفيلم، ومصادرة جميع نسخه أمر عفا عليه الزمن، ولا علاقة له بالواقع التكنولوجي اليوم، فليس للمحكمة سلطة خارج حدود دولة الاحتلال، والحكم لا يشترط صراحة إزالة الفيلم من اليوتيوب، ما يجعل القرار انتقاميًا من الفيلم ومخرجه، ليس أكثر.