فور إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته السادسة في الدقائق الأخيرة التي سبقت انتهاء مدة التفويض الممنوحة له، شهدت الساحة الداخلية لدى الاحتلال، وما زالت تشهد، صدور العديد من التحذيرات المتصاعدة بشأن استجابته لمطالب شركائه الفاشيين في الائتلاف، ولا سيما من قبل القوى الدينية المتطرفة، تخوفًا من تحول الكيان المحتل مع مرور الوقت إلى دولة تحتكم إلى أحكام التوراة والتلمود، ما يهدد بحدوث انشقاق داخلي بين اليهود أنفسهم.
تزداد القناعات السائدة بين قطاعات واسعة من الإسرائيليين بأن نتنياهو "باع" كل شيء لشركائه، في ضوء ما ظهر في بيانات قيادات الأحزاب المتشددة، وما يهددون به من "ظلام" دستوري يطالبون به، خاصة في مسألة حلِّ الوزارات، وتغيير ترتيب الأولويات في الموازنة، ما يحول دون بقاء دولة الاحتلال صهيونية وليبرالية، وفق التوصيف الإسرائيلي.
يكمن مصدر التخوفات الإسرائيلية في أنه بالتزامن مع إعلان نتنياهو تشكيل حكومته، فإن دولة الشريعة اليهودية في طريقها للتحقق، لأنه ظهر منذ اللحظة الأولى مستعدًّا لبيع كل شيء لشركائه من أجل الخروج من ملاحقاته القانونية ومشكلاته القضائية، والنتيجة أن دولة الاحتلال ستصبح محكومة بمبادئ التوراة، المحرَّفة طبعًا.
لا يتسع المجال لرصد جملة من الاستشهادات الإسرائيلية التي تمنح هذه التخوفات رصيدًا حقيقيًّا، لكن أهمها ما ورد في بيان وزير الإسكان المكلف الحاخام يتسحاق غولدكنوبف، الذي لا يخفي أن "دراسة التوراة أصعب من أن تكون مقاتلًا في الجبهة داخل صفوف الجيش، ويدعي أنه لم يرَ دراسة الرياضيات تسهم في تقدم الدولة اقتصاديًّا"، على حين زعم رئيس اللجنة المالية المكلف الحاخام موشيه غفني أن "هناك انقسامًا واضحًا بين اليهود، نصفهم سيتعلم التوراة، والنصف الآخر سيذهب للجيش".
كما يستعد الكنيست لسنِّ قانون أساسي لتعلم التوراة، يتيح التهرب من الخدمة العسكرية، والفصل بين الجنسين، ومنح المحاكم الحاخامية صلاحيات قضائية، والتأكد من يهودية الأحفاد كما هو وارد في قانون العودة العنصري.
أكثر من ذلك، فإن الحكومة المقبلة ذاهبة نحو تفكيك الوزارات الحكومية بزعم تجسيد الهوية اليهودية برئاسة الحاخام آفي ماعوز وبيتسلئيل سموتريتش، يما يجني المزيد من الفوائد على القطاع المتدين، رغم انعكاسه السلبي على موازنة الدولة.
تكشف هذه التحذيرات عن توجه حقيقي للائتلاف المتشكِّل بالتحول لكيان محكوم بالشريعة الدينية، في ضوء سيطرة المتدينين على مفاصل الدولة والوزارات الحيوية، وسعيهم لجعل التعليم تلموديًّا صرفًا، ما قد يفسح المجال لنشوب احتجاجات داخلية بين اليهود العلمانيين، وحالة من العزلة الدولية الخارجية، في ضوء الإنذارات الضمنية التي بدأت تصل إلى تل أبيب من كبرى عواصم العالم.