فلسطين أون لاين

لماذا لم يُحرر جثمان الأسير الشهيد ناصر أبو حميد؟

بعد تدخلات إقليمية، وبعد توسلات من القيادة الفلسطينية، عقدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية اجتماعًا، شارك فيه جهاز الشرطة، والجيش، والشاباك الإسرائيلي، والأمن القومي، ووزير الحرب، ورئيس الأركان، وفي نهاية الاجتماع أصدر وزير الحرب الصهيوني غانتس قرارًا بعدم تسليم جثمان الأسير الشهيد ناصر أبو حميد إلى ذويه.

وسائل الإعلام الإسرائيلية تدعي أن رفض تسليم جثمان الأسير الشهيد، يرجع إلى قرار سابق للمجلس الوزاري المُصغر الذي ينص على "احتجاز جثامين الأسرى الذين يتوفون في السجون، أو منفذي العمليات، بهدف إعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين" ليُضاف جثمان الشهيد ناصر أبو حميد إلى 10 جثامين محتجزة لأسرى قضوا نحبهم في السجون الإسرائيلية، وكان أولهم الشهيد أنيس دولة، المحتجز جثمانه منذ سنة 1980م.

وتدعي وسائل الإعلام الإسرائيلية أن طلبًا بعدم تسليم جثمانه تقدمت به عائلات الإسرائيليين الذين قُتلوا على يد أبو حميد إلى المحكمة العليا الإسرائيلية.

وبغض النظر عن مسوغات الرفض الإسرائيلي، وبغض النظر عما يُقال في وسائل الإعلام، فمنطلق الرفض الإسرائيلي لتسليم جثمان ناصر أبو حميد يفضح أربعة منطلقات للسياسة الإسرائيلية؛ المنطلق الأول: أن العدو الإسرائيلي لا يفهم اللغة الإنسانية، ولا يتعاطى مع هذا المنكر، ولا يستجيب للتوسلات والتدخلات مهما كان حجمها، ومهما كان نفوذ المتدخلِين من أجل إطلاق سراح جثمان الشهيد، أو من أجل تخفيف القيود، ورفع الحواجز، وتقديم التنازلات. العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة التوازنات، والنديَّة، ولا يحترم إلا القوة، ولا مكان للاستعطاف، والترقق، ولا خواطر في قرارات العدو الإستراتيجية، ولا قيمة لبحر الدموع إذا تعلق الأمر بالمصلحة الأمنية العليا.

المنطلق الثاني: العدو الإسرائيلي يقرأ الخريطة السياسية قراءة جيدة، ويعرف الواقع الفلسطيني أكثر من القيادة الفلسطينية نفسها، وتأتي قرارات العدو من منطلق المصلحة الأمنية، فالعدو يعرف أن المسيرات والمظاهرات، والحشود الجماهيرية التي ستنطلق إلى تشييع جثمان الأسير الشهيد، ستمثل طعنة في خاصرة الأمن الإسرائيلي، ومحفزًا للمزيد من فعل الشباب المقاوم، إضافة إلى ما سبق، فإن جنازة الشهيد ستمثل فضيحة إعلامية لإرهاب العدو الإسرائيلي بحق الأسرى، ولا سيما المرضى منهم.

المنطلق الثالث: العدو الإسرائيلي لا يرى إلا العنف طريقًا للتعامل مع الشعب الفلسطيني، ورسالته تقول: إن ما لا يأتي بالقوة، سيأتي بمزيد من القوة، وإن العقاب الإسرائيلي كالقضاء والقدر، إذا حلَّ بالفلسطيني فلا بحر يقيه من العذاب، ولا بر يحميه من العقاب، وليس أمامكم أيها الفلسطينيون إلا تقديم المزيد من الخنوع والخضوع، مقابل بعض المساعدات الإنسانية.

المنطلق الرابع: وله علاقة بالقيادة الفلسطينية التي فقدت البوصلة، وتكسَّرت مفاصل الفعل لديها، واقتصر دورها على مناشدة المجتمع الدولي للتدخل، وتحميل المسؤولية، وكأنها دائرة من دوائر الصليب الأحمر الدولي، أو إحدى دوائر المنظمات الدولية المهتمة بالقضية الفلسطينية. القيادة الفلسطينية بلا فعل يؤثر في القرارات الإسرائيلية، وقد اقتصر دورها على الاستنكار والشجب، وإغلاق الأبواب على مصالح أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

العدو الإسرائيلي يمتلك القدرة والقوة، ويمتلك القرار، ولن يقدِّم أي تنازلات سياسية أو إنسانية إلى الشعب الفلسطيني، ما دامت قيادته بهذا المستوى من الخنوع والخضوع.