بدا لافتًا فور إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، ظهور دعوات لـ"التمرد والعصيان"، خاصة مع صعود اليمين بصورة مفاجئة، فيما حققوه من نتائج كاسحة، وبدء المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، والتحذيرات المتعلقة بأخذ الدولة لمنزلقات خطيرة.
الأكثر لفتًا وانتباها أن أصحاب هذه الدعوات معظمهم جنرالات سابقون، أمثال إيهود باراك وموشيه يعلون ودان حالوتس وعاموس غلعاد ويائير غولان، وآخرهم غادي آيزنكوت، الذي لم يتردد بدعوة الإسرائيليين للنزول للشوارع، احتجاجًا على الفاشيين الذين يهددون بأخذ الدولة لحالة غير مسبوقة من الاحتراب الداخلي والعزلة الخارجية.
تعددت طرق الدعوة لهذا التمرد بين المطالبة بـ"انتفاضة مدنية" تارة، ومخاطبة السلطات المحلية بعدم التزام قرارات الحكومة الجديدة، وصولًا إلى من دعا لتطبيق سياسة "الأرض المحروقة" في محاولة لتقويض استقرار الحكومة.
في المقابل، ظهرت دعوات مضادة في الاتجاه المعاكس تتهم الجنرالات بدفع المجتمع لكسر تماسكه، والإضرار بأمن الدولة، وبث الإحباط بين الإسرائيليين بنشر الشائعات القائلة إن الجيش على وشك التفكك، أو قيادة حملة "العار" الذاهبة في عمومها للتشكيك في شرعية الحكومة الناشئة، واتهامها بأنها مسؤولة في خروج الدولة عن الطريق الصواب، لكنها ترقى لمحاولة فعلية لخلق الفوضى، وإضعاف الدولة، وتشكيل خطر مباشر وفوري على أمنها.
في الوقت ذاته، يخشى مؤيدو الحكومة الجديدة أن دعوات العصيان والتمرد الداخلي تكتسب خطورة إضافية لكونها موجّهة للخارج أيضًا، لأنها تلقى استقبالًا جيدًا حول العالم الذي لم يخف تخوفه من الحكومة المقبلة، مع أن هذه الرسائل لا تشجع أعداء الاحتلال فحسب، بل أيضًا حلفاءه الذين قد يقدمون في مرحلة ما على حرمانه من الدعم الدولي، وقطع علاقاتهم معه، كما هددت بذلك بعض العواصم الغربية، وإن بشكل ضمني.
لم يتوقف معارضو هذه الدعوات عند تشويه خصومهم من الجنرالات والسياسيين، بل اتهموهم بأنهم يحرضون على معاداة السامية تجاه الجاليات اليهودية في الخارج، ما دفعهم للتقدم خطوة لافتة أكثر بمطالبة المستشار القانوني للحكومة والشرطة بفتح تحقيق فوري ضد أي شخص دعا للعصيان وأعمال الشغب، ونزع الشرعية عن حكومة "منتخبة"، وتقويض أسس الدولة.
تشير هذه التباينات الإسرائيلية المتصاعدة إلى أن الانزعاج الإسرائيلي للغاية من نتائج الانتخابات الأخيرة، قابله انزعاج مضاد من ظاهرة تصريحات كبار الجنرالات السابقين التي تدعو لما توصف بـ"أعمال شغب" داخلية بين الإسرائيليين أنفسهم، الأمر الذي من شأنه إقحام المنظومة القانونية والقضائية والشرطية، من خلال دعوتهم لتوجيه أصابع الاتهام، بزعم أنه لا حرج في انتقاد الحكومة، لكن هناك فرق كبير بينها وبين ما توصف بـ"الفتنة" التي قد تكون لها تداعيات على الأمن القومي للدولة!