١- كان إبعاد سلطات الاحتلال 415 ناشطاً إسلامياً فلسطينياً من حماس والجهاد الإسلامي من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة ومدن فلسطين المحتلة إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992م -أغلبهم كانوا من حركة حماس- تجربة نضاليَّة، وعلامة فارقة في طبيعة العمل الإسلامي بعد عودتهم وانتهاء محنة الإبعاد، وعُدَّ هؤلاء القادة النواة الصلبة، والعمود الفقري للعمل الدعوي والجهادي ضد الاحتلال الصهيوني في الأراضي المحتلة.
على الرغم من مرارة الإبعاد وآلامه، يذكر أحد مبعدي مرج الزهور أن الإبعاد كان أشبه بالمجتمع المتكامل، فقد ضم لجانا مختلفة، منها: اللجنة الإعلامية ممثلًا عنها د. عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية، والدكتور عزيز دويك المتحدث باللغة الإنجليزية للحديث مع وسائل الإعلام، واللجنة المالية، والاجتماعية، والرياضية، والدعوية، وإنشاء جامعة تضم جميع العلوم، وأطلقوا عليها اسم «جامعة ابن تيمية»، وغيرها الكثير، ما ساهم بإكسابهم العديد من المهارات إلى أن انتهت محنة الإبعاد في تاريخ 17/12/1993م، ثم بدأت مرحلة المنحة الربانية بأن تصل حركة حماس بهؤلاء القادة إلى مراحل ناصعة من التطور، والارتقاء بالعمل العسكري والتربوي والسياسي، ما أحدث نهضة نضالية مقاومة.
٢- لقد كانت مشاهد الانطلاقة الـ٣٥ لحركة حماس ومشاركة مئات الآلاف من المواطنين من أنصار حماس، وبحضور واسع من الفصائل الوطنية والإسلامية، تأكيدا جديدا على الالتفاف الشعبي الواسع حول خيار المقاومة، وأنه الطريق الأصوب لاستعادة الحقوق الفلسطينية من الاحتلال.
٣- مرج الزهور زَرع الأصالة والثبات على المبادئ في وعي المبعدين، سيوصل الشباب إلى مرحلة متقدمة من العمل المتواصل، وصولاً إلى مؤشرات قوية، تظهر حجم النهضة البنيوية في مؤسسات حركة حماس، فتلك المحنة أعطت وعيًا وفهمًا للدور الوطني والجهادي، وصولًا إلى هذا النهوض الذي وصلنا إليه اليوم بروح وطنية نجحت في تأطير نفسها أمام العالم، ورسَّخت مفاهيمها الثورية، بعيدًا عن مشاريع تصفية القضية الفلسطينية أيًا كانت عناوينها وأشكالها في موازاة هذا النهوض، كان مزيدًا من التماسك في خدمة شعبنا مع فشل السلطة في تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني عموماً، وتمسُّكها بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الذي يمارس سلوكيات وجرائم دموية ضد كل فلسطيني.
٤- تعيش حماس اليوم تصاعدًا في مكانتها الوطنية والإسلامية في الشارع الفلسطيني، وتحظى باحترام أحرار العالم، فهي مستمرة في التمسك بالمسار المقاوم، ورسمت حقائق جديدة في دائرة الفعل السياسي والعسكري متعمقة في وجدان الشعب، عن طريق تمسكها بالثوابت الوطنية، ودفاعها عن المقدسات، حتى باتت قائدة للمشروع الوطني، مع اتساع دائرة الشرائح التي تساندها وطنيًا وشعبيًا، من جميع مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية.
٥- مما لا شك فيه أن مهرجان الانطلاقة هذا العام حمل رسائل عدة، مع واقع بات يدفع بضرورة إدراك التحولات السياسية، فكانت رسالة قائد حماس إسماعيل هنية تدعو إلى الوحدة الوطنية، وتؤكد تمسك الحركة بالثوابت الوطنية وبطريق المقاومة، وبموازاة ذلك كانت كلمة القائد العام للقسام أبو خالد الضيف -وهي المرة الأولى التي يتحدث خلال مهرجان الانطلاقة- تؤكد إدراكا عميقا أن الشعب الفلسطيني يخوض معركة الخلاص الوطني من المحتل، وأن المقاومة مستمرة في خدمة مصالح الوطن بتكتيكات وأفعال حقيقية على الأرض، ولا ننسى رسالة وحدة الظل التي فجرتها في الانطلاقة بشأن سلاح الجندي الصهيوني هدار غولدن، وأن قضية تحرير الأسرى من سجون الاحتلال حاضرة بقوة وعلى سلم أولويات حماس والقسام، تلك الرسائل لامست ضمير شعبنا وفكره الوطني، وأن حماس منحازة للحق الفلسطيني والثوابت في مواجهة الاحتلال الصهيوني وسياساته الفاشية.
٦- في كل الأحوال، ومع وصول حكومة صهيونية فاشية إرهابية إلى حكم الكيان، وبقاء السلطة حبيسة أوهام أوسلو والتنسيق الأمني، فإن التقدم نحو وحدة وطنية حقيقية بعيد عن الاشتراطات غير الضرورية، التي تفرضها فتح بات ضرورة وطنية، وحاجة ملحة للخروج من سياسة عنق الزجاجة، التي أوصلتنا إليها الطغمة التي تتبنى التنسيق الأمني وملاحقة المقاومة في مدن وقرى الضفة، وقد أصدر المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير عدة قرارات بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكان يجب أن تحترمها السلطة الحاكمة بالضفة لا أن تصعد هجماتها على المحررين والمناضلين خدمة لمصالح الاحتلال، والرجوع إلى ترتيب البيت الفلسطيني وفق منهجية وطنية تحتضن المقاومة وتجدد الشرعيات بانتخابات شاملة بات ضرورة وخطوة في طريق تطبيق برنامج وطني للتحرر من الاحتلال.