منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهي تطبق على الفلسطيني سياسات دموية وعنصرية فجّة، ونادرا ما كانت تواجه بردود فعل رافضة من داخل المجتمع الإسرائيلي، باستثناء أصوات خجولة محدودة من بعض بقايا اليسار أو المنظمات الحقوقية، الأمر الذي جسّد وجود حالة من الإجماع الإسرائيلي على بقاء الاحتلال بحد ذاته، مع الاختلاف الشكلي حول ظروف السجن، وما يمنحه السجان للسجين داخل زنزانته الضيقة.
لكن ما شهدته دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة، وازدادت جرعته في الشهور والأسابيع الماضية، كأنه أشعل أضواء حمراء لدى الإسرائيليين، وأشعرهم أن السياسات الظلامية العدمية المتبعة ضد الفلسطينيين منذ ما يزيد عن سبعة عقود، قد تطال إسرائيليين آخرين مختلفين عن النخبة اليمينية العنصرية الحاكمة، وقد تجلى ذلك بتصريحات متطرفة تعتبر اليساريين والحقوقيين الإسرائيليين خونة وطابورا خامسا، أو سياسات ومشاريع قوانين في الكنيست تأخذ الدولة لمزيد من العدوانية والفاشية!
يصعب الحديث عن هذه الانحرافات السياسية التي يشهدها الاحتلال بمعزل عمّا طبقه على مدى عقود من نظام قمع عسكري حرم ملايين الفلسطينيين من كرامتهم، وموّل عمليات استيطانية ضخمة من خلال توزيع أراضي الفلسطينيين على المستوطنين، وما عناه ذلك من تعزيز لنظام الفصل العنصري المستمد من أنظمة قانونية تم صياغتها وفقًا للأصول العرقية المختلفة القائمة في الضفة الغربية، لم تتردد في إنكار السيادة السياسية للفلسطينيين على أراضيهم.
لم يتوقف الأمر على السلوك العنصري تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، بل وصل داخل دولة الاحتلال ذاتها، حين ركزت أنظمة التعليم المناهضة للديمقراطية على التفوق اليهودي، ورفع قيمة القومية العنصرية، والمفاهيم العسكرية، مما أوجد في النهاية نظاما ينتهك حقوق الإنسان على أساس عرقي بدلاً من إنشاء نظام يحميها، والنتيجة ظهور نماذج دموية مثل ابن غفير وسموتريتش المعجبين بكاهانا وغولدشتاين، وبما أنه اختُير الأول وزيرا للأمن القومي، والثاني وزيرا بوزارة الحرب، فهذا يعني أننا أمام مخطط تدريجي لضمّ عنصري للضفة، وتطبيق رؤيتهما للفصل العنصري في أسوأ ممارساته.
ومع نتائج الانتخابات الأخيرة، لم يعد الكاهانيون يتخفون من تباهيهم بالقومية الجوفاء، والعنصرية المعلنة، والفصل العنصري المخزي، وتكرار الأكاذيب، والهراء الأيديولوجي، وجميعها مفاهيم تدعم العنف المروع من قبل الجنود ضد الفلسطينيين والحقوقيين الإسرائيليين، مما سيجعل دولة الاحتلال أمام نظام دعاية كاذب سامّ يهدف لسحق النظام القضائي، وبث الرعب في مكتب المدعي العام، وإخضاع الشرطة لليمين السياسي العنيف والمتطرف، والقضاء على بقايا وسائل الإعلام الناقدة التي قد تجد نفسها في حالة موت سريري، وقد لا يسعفها أي عملية جراحية عاجلة لإجراء الإنعاش المطلوب!