انتصر المرابطون وأهل القدس للمسجد الأقصى المبارك عندما وقفوا كالصخرة الشماء والجبال العتيدة في وجه جريمة الاحتلال الصهيوني، المتمثلة في إغلاق بوابات المسجد الأقصى ومنع الصلاة والأذان في المسجد، وقف أهل القدس والمرابطون ببسالة وصلابة واستمروا ليل نهار يحمون القدس بجباههم وصدورهم العارية، وثبتوا أمام بوابات الأقصى يصدحون بالأذان، ويقيمون الصلاة على أبواب القدس ويصلّون في حارات القدس وشوارعها العتيقة، وواصلوا رباطهم في كل ساعة إلى أن انتصر أهل القدس، وفتح الاحتلال صاغرًا أبواب وبوابات القدس أمام المقدسين وأبناء شعبنا الفلسطيني، لتدخل القدس جحافل المرابطين مهللين مكبرين، بالفعل كان الحدث كبيرًا، ورسم سيمفونية من النصر خطها أبناء القدس وأهلها الصامدون.
تمر علينا الذكرى الثامنة والأربعون لإحراق المسجد الأقصى، وتشتد الأزمات على القدس والأقصى، ويمضي الكيان في المخططات والمؤامرات يومًا بعد يوم سعيًا إلى فرض مخططات التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.
ومع فجر كل يوم يستيقظ الفلسطينيون وأهل القدس على وقع الاقتحامات الإسرائيلية في القدس، وهدم منازل واعتقال مقدسيين وإبعاد آخرين، وما إن تشرق الشمس على قباب ومآذن القدس حتى يبدأ قطعان المستوطنين بتدنيس باحات المسجد الأقصى تحت حماية كاملة من شرطة الاحتلال الصهيوني.
على صدى الذكرى الثامنة والأربعين لإحراق المسجد الأقصى يواصل الاحتلال الصهيوني جرائمه بحق القدس والأقصى، وقد سجل هذا العام _حسب تقرير صدر عن مؤسسة القدس الدولية_ الرقم الأعلى في هدم منازل المقدسيين، فأفادت المؤسسة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي هدمت منذ بداية العام الجاري 2017م حتى 31 تموز الماضي نحو (105) منشآت (منازل ومنشآت تجارية) في مختلف قرى وبلدات القدس المحتلة، وأنذرت بالهدم نحو (214) منزلًا ومنشأة، وواصلت أجهزة الاحتلال الصهيوني اتباع سياسات تصعيدية تستهدف فيها الوجود الفلسطيني بالقدس، لاسيما الاعتقال والقتل والإعدام الميداني في بعض الحالات.
إن الاحتلال يسعى جاهدًا إلى فرض السياسات الاستيطانية في القدس بتنفيذ سلسلة من المشاريع التهويدية، وبناء الآلاف من الوحدات الاستيطانية، بهدف إلغاء الوجود الفلسطيني العربي في القدس، والعمل على تفريغ المدينة المقدسة من أهلها، بهدف تسكين قطعان المستوطنين فيها.
وقد وثقت مؤسسة القدس الدولية في تقريرها تصديق الاحتلال على بناء (6377) وحدة استيطانية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2017م في العديد من المستوطنات بالقدس، إضافة إلى بناء (1330) وحدة فندقية استيطانية في منطقة جبل المكبر و12 مصنعًا استيطانيًّا في مخيم قلنديا.
إن القدس المحتلة تعيش في الذكرى الـ(48) لإحراق المسجد الأقصى في مرحلة خطيرة، وسط مواصلة الكيان جرائم التهويد والاستيطان، وتصاعد مخططاته لتهويد المسجد الأقصى في حملة تدنيس مستمرة واقتحامات عنصرية غوغائية من الجماعات والأحزاب اليهودية المتطرفة، بالتزامن مع محاولات تقسيم المسجد زمانيًّا ومكانيًّا.
تمر الذكرى الـ(48) ومازال جرح الأقصى نازفًا، يناشد الضمير العربي الإسلامي الحي، يستصرخ المسلمين في كل بقاع المعمورة، أن أنقذوني من دنس المحتلين، ومن جرائم التهويد والحفريات أسفل أساسات المسجد الأقصى المبارك.
وقد كشفت المصادر الإعلامية في القدس المحتلة عن مواصلة الاحتلال أعمال الحفريات أسفل أساسات المسجد الأقصى، بحثًا عما يسمى الهيكل المزعوم، حيث وقع انهيار كبير في بلدة سلوان، بسبب شبكة أنفاق ممتدة إلى المسجد الأقصى، وحصلت عدة انهيارات أخرى حصلت في المباني الأثرية الوقفية الملاصقة للجدار الغربي للمسجد.
إن ما تخطه أقلامنا في الذكرى الثامنة والأربعين لحريق المسجد الأقصى هو كلمات تصف أحوال القدس والمسجد الأقصى الأليمة والصعبة، حيث يعاني أهلنا في القدس المحتلة من آلام ونكبات كثيرة، وأوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، ولسان حالهم يقول للعرب والمسلمين: كفاكم تشرذمًا وضياعًا وانشغالًا في خلافاتكم الداخلية، متى تستيقظون من غفلتكم وتستجيبوا لنداء القدس ونصرة أهلها المرابطين ومواجهة جرائم المحتلين بحقها؟!، أما آن الأوان للانطلاق إلى تحرير القدس والأقصى؟!، أما آن الأوان لأن تشرق شمس الحرية على مآذن وقباب الأقصى؟!