تواصل دولة الاحتلال توجهها نحو الشرق الأقصى، وآخر محطاتها بلغت اليابان، التي تسعى معها لإنجاز اتفاقية التجارة الحرة، الموصوفة بأنها خطوة مهمة وتعزيز العلاقات على الصعيد الاقتصادي، مع العلم أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة مشاركة اليابان بشكل مطرد في الاقتصاد الإسرائيلي.
تتحدث لغة الأرقام أن الشركات اليابانية استثمرت 13 مليار دولار في التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية منذ عام 2000، وتعمل حاليا أكثر من 85 شركة يابانية في دولة الاحتلال، ما يعكس التقدم المحرز في علاقاتهما الثنائية، وزيادة حجم النشاط مع ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بمناسبة الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
في الوقت ذاته فقد بلغ حجم التجارة في السلع والخدمات بينهما 3.574 مليار دولار، تتكون من صادرات 1.241 مليار دولار، وواردات 2.333 مليار دولار، وترجع الزيادة في حجم الصادرات بشكل رئيس لخدمات الأعمال والمعدات البصرية والطبية والمعادن الأساسية والآلات والميكنة الكهربائية والميكانيكية.
هذا يعني أنه بعد عقد من المفاوضات، سيبدأ الجانبان عملية المحادثات نحو اتفاقية تجارية حرة، وهذه خطوة يمكن أن تؤدي لتخفيض الرسوم الجمركية، وخصم على السيارات اليابانية، والبضائع المستوردة للاحتلال، فضلا عن مساعدتها لزيادة صادراتها إلى اليابان، ما قد يدفعهما للاستمرار في تعزيز علاقاتهما على مستويات أخرى.
لا تنحصر العلاقات الإسرائيلية اليابانية في الجانب الاقتصادي، رغم أهميته، فهناك الجانب العسكري، حيث وقعت الأولى مع الثانية على مذكرة "تعاون دفاعي" وأجرتا حوارا إستراتيجيا، وستمكّنهما المذكرة من توسيع التبادلات الدفاعية والإستراتيجية والعسكرية، في حين أجرى رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي زيارة لليابان، وهي الزيارة الأولى لمسؤول عسكري إسرائيلي كبير منذ 1991.
أما على صعيد التعاون الأمني بين تل أبيب وطوكيو، فهو الأكثر تطورا، حيث يعقد مسؤولوهما الأمنيون اجتماعات روتينية وحوارات حول الأمن القومي لمناقشة إستراتيجية مكافحة الجماعات المعادية لهما، والتكنولوجيا العسكرية والتبادل الثنائي بين المؤسسات الاستخبارية التي تركز على نقل المهارة والمعرفة، وعقدوا سلسلة من الحوارات الوزارية حول الأمن الإلكتروني، وأعلنوا بيانا مشتركا حول (شراكة الإبداع الياباني الإسرائيلي)، التي ستوسع التعاون إلى برامج تدريبية مشتركة وورش عمل للمسؤولين، وتعميق الصلات بين القطاعين العام والخاص.
صحيح أن إمكانية توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين خطوة مهمة لعلاقاتهما الاقتصادية، لكن دلالاتها السياسية والأمنية والعسكرية لا تخطئها العين، حيث تستجيب اليابان للطلب الكبير من الشركات الإسرائيلية للعمل في هذا السوق، واتفاقية التجارة الحرة من شأنها أن تزيل الحواجز، وتشجع التعاون الاقتصادي، وتعزز العلاقات الاقتصادية بشكل كبير، وستقود لاتفاقيات مشابهة مع دول آسيوية أخرى، ما يكشف عن اختراق إسرائيلي جديد باتجاه الشرق الأقصى للكرة الأرضية، لمواجهة المخاطر المحيطة بها من جغرافيتها القريبة.