بينما تواصل فيه إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا رغم الضربات الإسرائيلية المتلاحقة، تُخضع أجهزة أمن الاحتلال قادتها العسكريين لمتابعة دائمة، بزعم إبقائهم في دائرة الاستهداف متى ما وصلت التعليمات بالتصفية، دون أن يكون ذلك ضامنا لكبح جماح تنفيذ التوجه الإيراني بالوصول الى مياه المتوسط.
يدور الحديث الإسرائيلي عن جهود دؤوبة ينفذها القادة الإيرانيون العسكريون لنقل الأسلحة من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق، برا وجوا، وأحيانا بحرا، بمسافات تزيد على عشرات ومئات الكيلومترات، وتحمل أسلحة متطورة ومنها قاذفات صواريخ، وطائرات بدون طيار، وبطاريات مضادة، وآلاف العناصر المسلحة، وسط مزاعم إسرائيلية أن الحرس الثوري لم يتعافَ بعد من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني قبل ثلاث سنوات، دون تخليه عن رؤيته المتمثلة بتثبيت وجوده عسكريًّا في سوريا.
يدرك الإيرانيون أن جيش الاحتلال يراقب أنشطتهم في سوريا عن كثب، رغم أن معظمها سرّي، لكن الاستخبارات الإسرائيلية من الواضح أن لديها أعيُنًا وآذانًا داخل الحدود الشمالية، ويتركز الحديث الإسرائيلي على توسيع عشرات مواقع إطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة التي نشرها الإيرانيون في سوريا، وإدخال أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات للبلاد، وتخزين آلاف الطائرات المسيرة الانتحارية.
العودة بالمواجهة الإيرانية الإسرائيلية الحاصلة على أراضي سوريا منذ قرابة عقد من الزمن تكشف أن معظم محاولات الأولى لإثبات وجودها لدى الجارة الشمالية تتعرض لجملة من الإحباطات الإسرائيلية، أو التعطيل، رغم أن خطتها تضمنت، وفق المزاعم الإسرائيلية، إنشاء جيش إيراني كامل ودائم في سوريا، مع قواعد استخبارات ومراقبة، وميناء بحري، مع وصول دائم للبحر المتوسط، وشبكة خلوية مستقلة وقدرات عسكرية منتظمة، مما يعني بالضرورة الدخول في حالة منافسة خفية مع روسيا.
يشكل هذا الحديث عن تصاعد الضغوط الإسرائيلية على التواجد الإيراني في سوريا مناسبة لطرح سؤال يتردد في أروقة مجتمع المخابرات الإسرائيلية عن تأثير العلاقة التي تعمقت بين الجيش الإيراني والروسي في حرب أوكرانيا على شبكة المصالح الإسرائيلية في الساحة السورية، والإجابة قد تكون مرهونة بمدى الاعتبارات الإسرائيلية فيما إذا كانت تل أبيب ستساعد كييف عسكريًّا ضد موسكو، مع أن أنظمة مضادة للطائرات متطورة جدًا من طراز S-300 ما زالت موجودة في سوريا، لكنها لا تزال تحت السيطرة الروسية، ولم يتم استخدامها ضد طيران الاحتلال في الشمال.
صحيح أن التفوق الجوي الإسرائيلي في الشمال لا يزال قائماً، لكنه يخشى من تآكل في آلية تنسيق الهجمات مع الروس، ورغم أنها لا تزال نشطة، لكن الاحتلال، كما تظهر الهجمات الأخيرة، يبدو مصرّا على مواصلة سياسة الهجمات ضد نقل الأسلحة الإيرانية لسوريا، دون أن يضمن له ذلك توقف هذه المحاولات.