على الرغم من الحديث "اليتيم" لرئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد المنتهية ولايته، عن حل الدولتين مع الفلسطينيين، فإن نتائج انتخابات الكنيست، ربما تزيل فكرة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال هذا الخيار، ما يعني تجاهل قادة وجمهور الاحتلال انزلاقهم نحو واقع "الدولة الواحدة"، أو "الدولة الثنائية القومية"، رغم أن عيش الفلسطينيين والإسرائيليين تحت مظلة واحدة قد يتعارض مع توجهاتهما الحقيقية بعد عقود من الصراع، الذي تخلله سلوك دموي من الاحتلال.
مع أن نشوء واقع "دولة واحدة"، رغم صعوبتها، لن يمنع نشوب انتفاضة فلسطينية، احتجاجا على عدم منحهم حقوقا متساوية، لأنه يعني قدرتهم على العيش في أي مكان يرغبون فيه داخل فلسطين المحتلة، وفق التقدير الإسرائيلي، وستكون هناك عودة جماعية للاجئين، ومنحهم الحق في التصويت في انتخابات الكنيست، وتأليف حكومة من يهود وفلسطينيين.
أما بالنسبة لتقسيم الأراضي، وفق ذات التقدير الإسرائيلي، فإن "الدولة الواحدة" ستزيد الاحتكاك بينهما، ورفع دعاوى قضائية فلسطينية لإلغاء قانون أملاك الغائبين، واستعادة عقارات في القدس وحيفا ويافا والرملة واللد وغيرها من المدن والقرى التي عاشوا فيها قبل قيام دولة الاحتلال.
أصوات إسرائيلية حذرت، وفق دراسة أخيرة لمعهد أبحاث الأمن القومي، من خطر الانزلاق لهذا الخيار، باعتباره يضع دولة الاحتلال أمام مأزق تاريخي وسياسي، لأنه سيسفر عن تشكيل واقع يقوض الرؤية الصهيونية لدولة يهودية، ولاسيما بالتزامن مع الوضع المتوتر في القدس المحتلة، مع أن آخر خمس جولات انتخابية جرت دون مناقشة مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، باستثناء التعامل مع العمليات الفدائية المتصاعدة، ما يعني إخفاقا إسرائيليا متكررا في صياغة اتفاق حول "تسوية دائمة" معهم.
مع أن الحكومات الإسرائيلية غير قادرة على اتخاذ قرارات "صعبة" لحل الصراع مع الفلسطينيين، بزعم السعي لكسب الوقت، وتحقيق الهدوء لأطول فترة ممكنة، ستفاجأ أن الصراع زاد تعقيداً وتعمقاً معهم، ولن يكون أمامها إمكانية لتصميم واقع يفصل بين الكيانين اليهودي والفلسطيني مستقبلا، بما يعني فصلا سياسيا وجغرافيا وديموغرافيا، وتهديدًا لصورتها بصفتها كيانا يهوديا.
كما أن اكتفاء الإسرائيليين بسياسة "إدارة الصراع" دون حلّه، مع تحسين حياة الفلسطينيين، يغفل تطلعاتهم الوطنية نحو الحقوق السياسية، ولذلك فإن مشاريع "السلام الاقتصادي" ليست سوى وسيلة لكسب الوقت، وتأجيل قرارات ثقيلة، مع أنهم في الحقيقة يتجاهلون توجههم ببطء نحو واقع "دولة واحدة" بين البحر والنهر، وهذا كله بسبب عدم اتخاذ قرارات طويلة المدى.
ليس سرّا أن الدولة الواحدة ثنائية القومية تتعارض مع توجهات الحركة الصهيونية، واهتمامها الكبير بالبعد الديموغرافي، بالحفاظ على الأغلبية اليهودية، ولذلك فإن عدد اليهود يساوي عدد الفلسطينيين في فلسطين الانتدابية، بما في ذلك قطاع غزة.