فلسطين أون لاين

على خطى أرناط.. هل يتسبب إيتمار بن غفير في نهاية (إسرائيل)؟

في عام 1187 م الموافق 583 هـ، تسبب الصعود القوي للمجموعات اليمينية كـ"فرسان الهيكل" و"فرسان الاسبتارية"، بالإضافة إلى اعتداءات أمير الكرك الصليبي رينو دي شاتيون المعروف عند العرب بـ"أرناط" على قوافل الحجاج والتجار المسلمين، في اندلاع معركة حطين التي تسببت في انهيار مملكة الصليبيين وتحرير المسلمين بقيادة صلاح الدين للقدس.

واليوم وبعد مرور 835 عاما على معركة حطين، يكرر التاريخ نفسه، مع تصاعد دور اليمين المتطرف في الحياة السياسية والدينية في (إسرائيل)، وتجلى آخر مظاهر هذا الصعود في فوز بنيامين نتنياهو وحليفه اليميني المتطرف إيتمار بن غفير رئيس حزب "الصهيونية الدينية" في الانتخابات البرلمانية، فهل يقود هذا الصعود الاحتلال الإسرائيلي نحو الهاوية؟

بنظرة بسيطة، يمكن العثور على الكثير مما يجمع رينو دي شاتيون (أرناط) وإيتمار بن غفير، فكلاهما متطرف عنيد شديد الشراسة والغرور، لا يجيد تقييم الواقع ولا يستطيع التوقف عن ارتكاب الجرائم بحق سكان البلاد المحتلة، ولا يتورع عن الاعتداء على المدنيين العزل والنساء والأطفال خاصة.

لقد اشتهر أرناط بعنفه وبربريته، فكان في حروبه يقتل من دون داع، ويمثل بجثث القتلى ويغتصب النساء، وقد قاده غروره وتطرفه ليقود جيشه إلى مدينة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليستولي عليها، وينبش قبر النبي الكريم.

لا يختلف الأمر كثيرا مع بن غفير، الذي قاد المستوطنين عشرات المرات لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، كما اشتهر برفع السلاح في وجه المقدسيين في حي الشيخ جراح.

كما يغذي بن غفير -الذي يترأس حزب "عظمة يهودية" ويتربى في أوساط حركة "كاخ" العنصرية- شعبيته في أوساط المستوطنين عبر المسيرات الاستفزازية، والتحريض على قتل الفلسطينيين، والدعوات إلى طردهم بالقوة مما يسميها "أرض" (إسرائيل).

بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التي احتل فيها حزبه "عظمة يهودية" المركز الثالث بعد فوزه بـ14 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي، وفق بن غفير، احتفل وسط أنصاره وهم يهتفون "الموت للعرب"، داعيا لإطلاق يد الجيش والشرطة الإسرائيليين لاستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.

لتحقيق أهدافه المتطرفة، وعد بن غفير أنصاره بتشكيل حكومة يمينية بالكامل بقيادة بنيامين نتنياهو، وطالب بتولي حقيبة الأمن العام، وهو منصب سيجعله مسؤولا عن الشرطة وعن مصلحة السجون وتنظيم اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.

خطة التصعيد

لم يضيع بن غفير الوقت، فقد تقدم فور فوزه بالانتخابات بخطة إلى نتنياهو في سياق مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة للتنكيل بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إلى جانب سماح الحكومة المقبلة بتنظيم اقتحامات جماعية للمستوطنين للمسجد الأقصى على مدار الساعة ودون أي تقييدات.

وفي الوقت الذي تعالت فيه أصوات صليبية يقودها كونت طرابلس ريموند الثالث للتحذير من خطورة اعتداءات أرناط على قوافل التجار والحجاج المسلمين، أبدت جهات في أجهزة أمن الاحتلال مخاوف من مخططات بن غفير بشأن الأسرى، إذ إن قضيتهم هي محل إجماع وطني فلسطيني، الأمر الذي قد يؤدي إلى التصعيد في الضفة وقطاع غزة، كما أن أي محاولة من بن غفير لتغيير في الوضع القائم في القدس المحتلة والمسجد الأقصى قد تسّرع من تصعيد ميداني محتمل.

يقول الباحث المتخصّص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي إن هيمنة اليمين المتطرف على حكومة نتنياهو القادمة ستملي عليها تبنّي سياسات أكثر تطرفا تجاه الصراع مع الشعب الفلسطيني، ستفضي إلى تأجيج جذوة المقاومة في الضفة الغربية، وتزيد من مخاطر تفجر انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية واندلاع مواجهات عسكرية مع المقاومة في قطاع غزة.

صحيفة هآرتس الإسرائيلية حذرت بدورها من أن (إسرائيل) تقف الآن على أعتاب ثورة دينية استبدادية يقودها اليمين المتطرف، هدفها تدمير أسس الديمقراطية التي بنيت عليها الدولة.

وقالت هآرتس إن البلد قد أصبح أكثر تطرفا على نحو مرعب خلال السنوات الأخيرة، وإن كل الأمور التي جرى التحذير من احتمال وقوعها في السابق تحدث الآن أمام أنظار الجميع.

نهاية (إسرائيل)

يتزامن صعود اليمين المتطرف مع تصاعد التحذيرات التي رددها العشرات من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين من مخاطر انهيار (إسرائيل).

أبرز هذه التصريحات جاءت -خلال احتفال (إسرائيل) بالذكرى الـ74 لاحتلالها فلسطين- على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، الذي عبّر عن مخاوفه من زوال (إسرائيل) قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا بالتاريخ اليهودي حيث لم تعمر لهم دولة أكثر من 80 سنة.

ولا يعد باراك الوحيد، فوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قال هو الآخر إن المخاوف من سيطرة الفلسطينيين على (إسرائيل) في المستقبل ليست بعيدة عن الواقع.

وكما شهد معسكر الصليييين في أيامه الأخيرة انقسامات بين معسكر ريموند الثالث ومعسكر أرناط، يشهد المجتمع الإسرئيلي انقساما حاد، حيث تحظى الأحزاب اليمينية المتطرفة بدعم اليهود من أصول شرقية الذين يقطنون في الأحياء الشعبية داخل المدن الكبرى وأتباع التيار الديني الحريدي والمستوطنين الذين يقطنون الضفة الغربية والقدس والجولان، كما يقول صالح النعامي.

وفي المقابل، فإن المنتمين إلى الطبقة الوسطى وقاطني القرى التعاونية (الكيبوتسات) الذين هاجروا حديثا، وتحديدا من الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي، يميلون إلى دعم قوى اليمين العلماني.

ودفع ذلك الرئيس السابق لجهاز الأمن العام (الشاباك) يوفال ديسكين العام الماضي إلى القول إن (إسرائيل) لن تبقى إلى الجيل القادم"، مبررا ذلك بازدياد الانقسام بين الإسرائيليين عمقا، حتى أصبح الانقسام بين اليمين واليسار مهيمنا أكثر بكثير من الخلاف بين اليهود والعرب.

وفي النهاية، فقد قادت جرائم أرناط قبل 835 عاما الصليبيين لدخول معركة غير متكافئة في حطين، وأعادت القدس إلى المسلمين، فهل تقود جرائم عصابات المستوطنين وقادتهم مثل بن غفير إلى نهاية الاحتلال؟

 

المصدر / الجزيرة نت