قمة المأساة الفلسطينية، أن يجري التحقيق مع نبيل أبو ردينة، عن الجهة التي تقف خلف استشهاد ياسر عرفات سنة 2012، أي بعد ثماني سنوات من الجريمة، وقاعدة المأساة الفلسطينية أن يصير تسريب وتهريب وقائع التحقيق لخلافات شخصية، وهذا الذي يزيد المشهد القيادي الفلسطيني قتامة وتلوثًا.
لقد تحدث مستشار الرئيس عرفات، الناطق باسم رئاسة السلطة نبيل أبو ردينة، في شهادته أمام لجنة التحقيق في الثامن والعشرين من يوليو 2012، عن رفع الغطاء الدولي عن الرئيس عرفات، بدلالة عدم تجرؤ أي رئيس عربي خلال الأشهر الأخيرة على الاتصال به.
والسؤال هنا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية: كيف تقبلون على مواقعكم القيادية أن يرفع الغطاء الدولي عن قائدكم ياسر عرفات، دون أن يمسكم الضر؟ ألا يعني ذلك أنكم ضمن جوقة التنسيق والتعاون الأمني الذي رفع الغطاء الدولي عن ياسر عرفات؟
لقد ذبحوا الرجل، وقدموه فريسة، ليقدموا أنفسهم بدائل ذليلة، وقاموا بإجراء لقاءات واجتماعات مع المسؤولين الدوليين والإسرائيليين والعرب، دون خوف من حساب، لقد احتمى ورثة ياسر عرفات بالغطاء الدولي، في الوقت الذي يحاصر زعيمهم وقائدهم أبو عمار بلا غطاء دولي؟
ويقول أبو ردينة إن آخر زعيم عربي اتصل بعرفات قبل وفاته بأربعة أشهر كان الرئيس المصري (الأسبق) حسني مبارك، وأبلغه بالحرف الواحد أن "الاتصال معه قد يكون مسجلًا.. وأنصحك أن تسلّم السلطة وأنا أعرف عن ماذا أتكلّم.
وماذا يعني تقديم الرئيس مبارك النصح لياسر عرفات بتسليم السلطة؟ ألا يعني ذلك أن هناك شخصيات بديلة لياسر عرفات، وجرى التنسيق معها لتسلم السلطة، وعلى رأسهم محمود عباس وأبو ردينة، وكل طاقم التحقيق والتنسيق والتلفيق؟
نصيحة مبارك لعرفات بترك السلطة، تحمل معاني التهديد بالقتل، وهذا يعني أن الملوك والرؤساء العرب ينفذون تعليمات (إسرائيل)، ولا يقدرون على مساعدة ياسر عرفات، الذي تمت مقاطعته لموقفه السياسي الرافض للطرح الإسرائيلي والأمريكي بالتخلي عن القدس.
ويضيف أبو ردينة: ولم يجرؤ أي رئيس عربي على التواصل مع عرفات، وتخلوا عنه بالكامل!
وهنا يتساءل الشعب الفلسطيني: لماذا وافقت قيادة منظمة التحرير، وقيادة السلطة على التواصل مع الغريب والقريب والأمريكي والإسرائيلي، في ظل حصار أبو عمار؟
ويضيف أبو ردينة: لقد طلب الرئيس أبو عمار من بعض الرؤساء العرب تزويد السلطة بالمال لدفع الرواتب "وكانت ردودهم مخجلة".
وهنا نصل إلى الحقيقة المؤلمة، والتي تؤكد أن الأموال التي تدفقت على سلام فياض ومحمود عباس بعد تصفية ياسر عرفات، كانت أموالًا مسيسة، الهدف منها تصفية القضية الفلسطينية، وتركها مهملة حتى يومنا هذا 2022.
وكشف أبو ردينة عن سر تصفية الإدارة الأمريكية ياسر عرفات، حين قال: تقدم وزير الخارجية الأمريكي من عرفات بمطالب سياسية وأمنية، تؤدي إلى وقف انتفاضة الأقصى وتسليم كل المطاردين، ثم اتخاذ إجراءات عسكرية وأمنية تجعل عرفات مسيطرًا على كل ما بين يديه.
اعتراف أبو ردينة هذا يؤكد أن البديل الذي أعدته أمريكا لعرفات، هو محمود عباس نفسه، الذي كان جاهزاً لتطبيق الشروط الأمريكية، بما في ذلك وقف الانتفاضة بشكل فعلي، وتصفية المطاردين وتسليمهم، واتخذ إجراءات عسكرية وأمنية، سمحت له بالسيطرة على الأوضاع.
وهنا يتفاخر نبيل أبو ردينة، ويضيف: لقد رفض عرفات أن يوقف الانتفاضة ولم يقدم أي تنازل، لذلك كانت هناك مؤامرة إسرائيلية أمريكية بأن عرفات يجب أن ينتهي عهده".
لقد أوصلنا أبو ردينة إلى الحقيقة، وأكد لنا أن وقف الانتفاضة، والتنازل، هو الشرط الأمريكي لمن سيتولى السلطة بعد عرفات، فكان محمود عباس وأبو ردينة وماجد فرج وحسين الشيخ، وكل هذه العصابة التي تسيطر على القرار الفلسطيني، وتتحايل في خداع الجماهير، والتفريط بالوطن فلسطين.