تضرب الفلسطينية أمونة أبو رجيلة الفأس في الأرض، وتكافح الحشائش بالمنجل؛ لتثبت أنها لا تزال قادرة على فلاحة حقلها الزراعي على الرغم من كبر سنها والمخاطر المحدقة من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

مع بزوغ شمس كل صباح تتوجه أبو رجيلة (68 عامًا) إلى حقلها الواقع على بعد ثلاثمائة متر تقريبًا من الشريط الحدودي شرقي خان يونس، وتفلح أرضها التي تقول إنها "تمثل لها كل شيء في الحياة بعد وفاة زوجها".

وارتفع النشاط الزراعي الفلسطيني في السنوات الأخيرة في المناطق الحدودية "عالية الأخطار"، على الرغم من قلق المزارعين الدائم بشأن سلامتهم الشخصية واستثماراتهم في كسب لقمة العيش، إذ سُجلت زهاء 18 إصابة بنيران الاحتلال في السنوات الست الماضية، وفق وزارة الصحة في غزة.

تفتخر المُسنَّة الفلسطينية بعملها منذ أكثر من أربعة عقود في مجال الزراعة ورعاية الأرض، حتى أن أبناءها الخمسة، وعددًا من أحفادها يشاركونها العمل داخل الحقل خلال موسمي البذور والقطف.

واجهت المزارعة أبو رجيلة -كغيرها من المُزارعات- الكثير من التحديات والمصاعب في السنوات الأخيرة، بفعل ملوحة المياه، وارتفاع أسعارها، والتكلفة العالية لمدخلات الزراعة، وانقطاع التيار الكهربائي باستمرار.

لكن ما يؤرق المسنة الفلسطينية وعائلتها هو البطش وعدوان قوات الاحتلال الذي لا ينتهي على الأراضي الحدودية، وفي بعض السنوات كانت الزراعة في حقل أبو رجيلة غير مجدية، إذ فسدت زراعتها، واقتُلعت أشجارها المعمرة من باطن الأرض وكأن زلزل ضرب المكان.

لم تستسلم أبو رجيلة كعادتها للواقع، وظلت تعمل مع أبنائها، وتبحث عن توفير الإمكانات لإعادة استصلاح حقلها، إذ حصلت على دعم من جمعية الإغاثة الزراعية قبل عقد من الزمن، وفق ما تقول.

وتعيش أبو رجيلة وعائلتها في بيت متواضع شرقي خان يونس، يبعد حوالي كيلومتر عن الحقل الزراعي الذي يعد مصدر الدخل الرئيس للعائلة.

وهذا الحقل البالغة مساحته أربع دونمات (4 آلاف متر مربع) فقط، يقع في بلدة خزاعة جنوب شرق قطاع غزة، من أصل أكثر من 100 دونم كانت لوالدها وعائلتها، بعد أن ضمتها إسرائيل، إبان نكبة فلسطين عام 1948، وعقب حرب عام 1967.

تستذكر المسنة الفلسطينية بعض اللحظات القاسية، إذ تشير إلى أنه في بعض الأحيان كانت تهرب حافية القدمين من الحقل، بفعل إطلاق جيش الاحتلال النار، وقنابل الغاز، ورش المبيدات الأعشاب بكثافة على حقلها والحقول المجاورة لها.

منذ عام 2014، دأب جيش الاحتلال الإسرائيلي على رش مبيدات الأعشاب من الجو بصفة دورية، الأمر الذي يؤثر سلبيًّا في الأراضي الزراعية التي تقع إلى جانب السياج الحدودي.

وبسبب عملية رش تلك المبيدات، تكبد 212 مزارعاً يملكون حوالي 550 فداناً من الأراضي الزراعية أخيرًا خسارة تقدر بـ1.3 مليون شيقل، وفق وزارة الزراعة الفلسطينية.

تقول أبو رجيلة: "تعرضت أرضي مرات عدة للتجريف والتدمير والقصف الإسرائيلي، وأعدتُ تسويتها، وزراعتها من جديد، أنا ابنة الأرض، ورثتها عن والدي وأجدادي، وسأُدفن في أحشائها".

وتضيف: "هنا كانت مزروعة أشجار لوز وزيتون، ودفيئة زراعية، وبيوت من الصفيح لتربية الطيور والمواشي، كل ذلك دُمِّر في لحظات، وحتى الغرفة التي كنا نجلس ونستريح فيها دمرها الاحتلال".

ومنذ ذلك الوقت دأبت أبو رجيلة على زراعة الأرض بمحاصيل موسمية، كالقمح، والشعير، والخس، والبازيلاء، والفول، والفلفل، والباذنجان.

وتوضح أن تلك المزروعات لا تحتاج إلى تكاليف باهظة، لكنها تحتاج إلى رعاية ومتابعة مستمرة، حيث يتوزع عمل المسنة الفلسطينية خلال الموسم الزراعي بين التعشيب، والحصاد، واختيار المحصول، والتسويق، وجميع تلك الأعمال بحاجة إلى جهد بدني.

وتشير إلى أنها تمكنت من إعادة بناء حجرة صغيرة في الأرض، كما شيدت فرنا من الطين، إذ تطهو الطعام لعائلتها خلال أوقات العمل في الحقل.

وكان مركز حقوق الإنسان الإسرائيلي "بتسيلم"، كشف النقاب العام الماضي عن أن (إسرائيل) وخلال سعيها ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية دمرت بين الأعوام 2015 - 2020 نحو١٤ ألف دونم على حدود قطاع غزة المحاصر وتضرّر جرّاء ذلك 1,402 مزارع.

ووفق تقرير المركز فإن "بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000 شرعت إسرائيل في تقليص الوجود الفلسطينيّ داخل مناطق من قطاع غزّة متاخمة للشريط الحدوديّ الذي يفصل بين القطاع وإسرائيل بضمنها مساحات شاسعة من الأراضي الزراعيّة.

وتُعدُّ قصة كفاح أبو رجيلة نموذجًا لـ6,425 سيدة فلسطينية يعملن في مجال الزراعة، وفق تقرير أصدره مركز الميزان لحقوق الإنسان العام الماضي.

وتؤكد أبو رجيلة أن "المزارعين على الحدود اعتادوا على المخاطرة خلال الاجتياحات الإسرائيلية، وهم صامدون وثابتون على أرضهم.. وسواء كانوا رجالًا أو نساءً فالجميع يشارك من أجل جني خير الأرض وإعمارها".