من تخلى عن قديم تجاربه تاه، وتخبط في الحاضر، لأن الفضية الفلسطينية كل متكامل، تبدأ من الغزوة الصهيونية الأولى على المنطقة، قبل أكثر من مئة عام، ولا تنتهي بآخر عدوان على منطقة نابلس أو الخليل.
ومن يقرأ التاريخ يلاحظ أن السنة التي احتل فيها الإنجليز أرض مصر 1882، وهي السنة نفسها التي أقام فيها الصهاينة أول مستوطنة "بتاح تكفا" على أرض فلسطين، ليقول لنا التاريخ: إن احتلال مصر من الغرباء شرط لقيام دولة الصهاينة، وهذا يؤكد أن القضية الفلسطينية مترابطة بأحداث المنطقة ككل، وأن نهوض البلاد العربية يعني نهاية الوجود الصهيوني، وبقاء حال الأمة العربية والإسلامية تحت الوصاية البريطانية والأمريكية يعني تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لدولة الصهاينة.
إدراكًا لما سبق من حقائق، فإن نسيان وعد بلفور يعني فقدان الحاضر، والتسليم للأكذوبة الصهيونية، لذلك ترى الشعب الفلسطيني يسترجع وعد بلفور في كل عام، في إشارة على عدم نسيان الوطن فلسطين، ورفض التخلي عن المقدسات، ويصير التعبير عن ذلك بالمسيرات والمظاهرات، التي تذكر العالم بأن دولة العدو الإسرائيلي قامت على حساب الشعب؛ الذي صار بمعظمه لاجئاً، ويتعرض للاعتقال والقتل والتفرقة العنصرية.
إحياء الشعب الفلسطيني لذكرى وعد بلفور لا يتوافق مع توجهات منظمة التحرير الفلسطينية، التي وقعت اتفاقية أوسلو، وصارت رهينة للاعتراف بدولة اسمها (إسرائيل)، فمن يعترف بـ(إسرائيل)، لا يحق له أن يشجب ويدين وعد بلفور، الذي أعطى لليهود دولة على أرض فلسطين، فالذي يعترف بدولة الصهاينة، يعترف ضمنياً بوعد بلفور، ويصفق له، ولا يحق له بعد الاعتراف بدولة الصهاينة أن يلوم بلفور على وعده.
فهل أدرك الفلسطينيون الأسباب السياسية الكامنة خلف تجاهل السلطة الفلسطينية لذكرى وعد بلفور؟
وهذا التحليل المنطقي يفرض علينا طرح السؤال التالي:
ما دام رئيس السلطة الفلسطينية قد اعترف أن دولة العدو الإسرائيلي لم تلتزم اتفاقيات أوسلو، ولم تطبق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة، ولا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وتواصل اعتداءاتها، فلماذا